قوله: هبلت الهبل الهلاك، والعرب تطلق هذه الكلمة ونظائرها من الدعاء بالمكروه ولا تريد بها شراً، وقد تجريها مجرى المدح عند استعظام الشيء، كقولهم ما له قاتله الله، وقولهم: هبلته أمه، وقوله: لقد أذكرت به، أي: جاءت به ذكراً شهماً. وقد فرقوا بين الإنسان والخيل، فقالوا في الإنسان: عرب وأعراب، وفي الخيل والإبل: عراب، وهي خلاف البراذين والبخاتي. والمعرب من الخيل: الذي ليس في عرقه هجين، والأنثى: معربة، وأعرب الفرس: إذا عرف عتقه من صهيله، والإعراب: معرفة الناس العربي من الهجيم إذا صهل قال الجعدي:
ويصهل في مثل جوف الطوى ... صهيلاً تبين للمعرب
(أي ظهر أنه من العراب حين سمع صهيله)
[الفصل الثاني في الهجين]
وهو ما كان أبوه أشرف من أمه: مأخوذ من الهجنة، وهي العيب، وهو دون المقرف، قال الشاعر:
لا يدرك العربي الهجين يجله ... ولا حليه في سرجه ولجامه
أي: ولو تحلى الهجين بأنواع الزينة لا يدرك العربي، وقال ذهلة ابن شيبان:
وإذا تقابل مجريان لغاية ... عثر الهجين وأسلمته الأرجل
ويجي الصريح مع العتاق معوداً ... قرب الجياد فلم يجئه الأفكل
[الفصل الثالث في المقرف]
وهو ما كانت أمه أشرف من أبيه مأخوذ من القرف، وهو القرب، لقربه من الهجين، وإن كان أحط منه، قال الأعشى:
قافل جرشع تراه كتيس ال ... ريل لا مقرف ولا مخشوب
تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هن صفر أولادها كالزبيب
القافل: الضامر، والجرشع: منتفخ الجنبين، والمخشوب: الذي لم يحسن تعليمه ورياضته، وقال محمد بن بسام في ابن المرزبان:
بخلت عني بمقرف عطب ... فلم تراني ما عشت أركبه
وإن تكن صنته فما خلق الل ... هـ مصوناً وأنت تركبه
ويقال للمقرف: مذرع، - بالذال المعجمة -. قال الفرزدق:
إذا باهلي عنده حنظلية ... له ولد منها فذاك المذرع
فالمذرع كالبغل، إذا سئل عن أبيه قال: أمي الفرس. قال ابن قيس العدوي:
إن المذرع لا تغني خؤولته ... كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
وقال آخر:
قوم توارث بيت اللؤم أولهم ... كما توارث رقم المذرع الحمر
وسمي مذرعاً لشبهه بالبغل: لأن كلا منهما في ذراعيه رقمتان كرقمتي ذراع الحمار، والهجنة في الإنسان من قبل أمه. قالت حميدة بنت النعمان بن بشير في الفيض بت عقيل الثقفي:
وما أنا إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحللها نغل
فإن نتجت مهراً فالله درها ... وإن يك أقرافاً فما أنجب الفحل
النغل: - بالنون - الخسيس من الدواب، وقد غلط من رواه تحللها بغل لأن البغل لا ينتج. وعن جبلة بن عبد الملك قال سابق عبد الملك بن مروان بين ولديه سليمان ومسلمة، فسبق سليمان، فقال عبد الملك:
ألم أنهكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدرك
وما يستوي المرآن هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك
فتضعف عضداه ويخفت صوته ... وتقصر رجلاه فلا يتحرك
وأدرك خالات له فنزعنه ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
ثم أقبل على مصقلة بن هبيرة الشيباني فقال: أتدري من يقول هذا؟ قال: لا. فقال: هو قول أخيك، فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين! ما هكذا قال حاتم الطائي، فقال عبد الملك: وماذا قال؟ فقال:
وما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا
فما زادنا فيها السباء مذلة ... ولا كلفت خبزاً ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناهم بحر نسائنا ... فجاءت بهم بيضاً وجوههم زهرا
فكائن ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقي الأعداء يطعنها شذرا
ويأخذ رايات الطعان بكفه ... فيوردها بيضاً ويصدرها حمرا
أغر إذا اغبر اللئام كأنه ... إذا ما سرى ليل الدجى قمر بدرا
فقال عبد الملك كالمستحي:
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
الفصل الرابع في البرذون