للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عبادة بن الصامت قال: "عرضت على معاوية خيل فقال لرجل من الأنصار: يا ابن الحنظلية! ماذا سمعت رسول الله في الخيل؟ قال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وصاحبها يعان عليها، والمنفق عليها، كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك". وفي رواية: "كف من مسك الجنة". وفي أخرى: "فامسحوا بنواصيها وادعوا الله لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار"، لأن العرب كانت تقلد الخيل أوتار القسي لئلا تصيبها العين، فنهاهم عن ذلك، وأعلمهم أن الأوتار لا ترد شيئاً من قضاء الله تعالى. ورخص بتقليدها الخرز لأجل الزينة. قيل لأعرابي ما تقول في نساء بني فلان؟ قال: هن قلائد الخيل، أي كرام لأنه لا يقلد من الخيل إلا الكريم السابق.

وعن سواد بن الربيع الجرمي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لي بذود وقال لي: عليك بالخيل فإن في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وفي رواية: "والأجر والمغنم".

وعن سواد أيضاً قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اربطوا الخيل فإن الخيل في نواصيها الخير" وفي رواية "الغنم بركة الإبل عز لأهلها والخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة. وعبدك أخوك فأحسن إليه، وإن وجدته مغلوباً فأعنه". وقال صلى الله عليه وسلم: "الفخر في أهل الخيل، والجفاء في أهل الإبل، والسكينة في أهل الغنم".

وعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم إلا حق عليه أن يربط فرساً إذا أطاق ذلك" وفي الخبر "العز في نواصي الخيل والذل في أذناب البقر" وقال صلى الله عليه وسلم - لما رأى السكة ببعض دور الأنصار -: "ما دخلت هذه دار قوم إلا دخله الذل" وذلك لما يتبعها من المغرم المفضي إلى التحكم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما استقرت أمور الحجاج الثقفي خرجنا حتى قدمنا بلدة واسط وذكر اجتماعه بالحجاج وعرض خيله عليه، فقال أنس: الخيل ثلاثة أفراس: فرس يتخذه صاحبه يريد أن يجاهد عليه، ففي قيامه عليه وعلفه وأدبه إياه - أحسبه قال -: وكسح مذوده، أي كنسه أجر في ميزانه يوم القيامة. وفرس يصيب أهلها من نسلها يريدون بذلك وجه الله فقيامهم وأدبهم إياها وعلفهم إياها وكسح روثها أجر في ميزانهم يوم القيامة، وأهلها معانون عليها. وفرس للشيطان فقيام أهله عليه وعلفهم إياه وغير ذلك وزر في ميزانهم يوم القيامة".

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله، وأما فرس الإنسان فالتي يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي ستر من فقر، وأما فرس الشيطان فالذي يقام ليراهن عليه". وعنه صلى الله عليه وسلم: "المنفق على الخيل كالمستكفي بالصدقة"، أي: الباسط يده ليعطيها، وفي رواية: "لم ينس حق الله في رقابها وظهورها"؛ أي: الإحسان إليها ومنع ظهورها من الحمل عليها. وعن علي بن حوشب سمعت مكحولاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخيل وجللوها" وعن الوضين بن عطاء عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها". وقال الجعفي:

الخير ما طلعت شمس وما غربت ... معلق بنواصي الخيل معقود

وقال كعب بن مالك الأنصاري:

ونعد للأعداء كل مقلص ... ورد ومحجول القوائم أبلق

أمر الإله بربطها لعدوه ... في الخوف إن الله خير موفق

فتكون غيظاً للعدو وحافظاً ... للدار إذ دلفت خيول المرق

وقال علقمة بن عامر المازني:

ما كنت أجعل مالي فرغ شانئة ... في رأس جذع يصيب الماء في الطين

الخيل من عدتي أوصى الإله بها ... ولم يوصِّ بغرس في البساتين

[الفصل الثاني في تكريم العرب لها وحبهم إياها وما ورد عنهم في ذلك]

اعلم أن العرب تحب الخيل، وتبالغ في إكرامها، وترى أن العز والزينة بها، وقهر الأعداء على ظهورها، والغناء على بطونها، قال الشاعر:

قلائد نحن افتديناهنَّ ... نعم الحصون والعداد هنَّ

<<  <   >  >>