للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خب غداة الرهان حتى ... أجهد في إثره البوارق

ما أنس لا أنس إذ شالها ... مشربات مثل البواشق

وبدها شزباً عتاقاً ... لم ترض عن خصرها العواتق

فقمن يمسحن منه رشحاً ... مطيبات به المخانق

أفديه من شافع لبيض ... قد كن عن بغيتي عوائق

أنضع منه لرأي عيني ... سود عذار الفتى الغرانق

وحكي أن الحجاج كتب إلى قتيبة بن مسلم، أنه قد اجتمعت جياد خيل العرب بخراسان فاكتب إلى أهل الكور وأمرهم بإجراء الخيل وابعث إلي بسوابقها. فبعث إليه بفرسه الأشقر والرؤاسي وهما أبناء الحميراء، فجاءت بهما رسله، فعرض لهما لص يسمى أشكاب، فسرق الأشقر وجاؤوا بالرؤاسي إلى عبد الملك بن مروان فاستوهبه منه أخوه بشر فوهبه إياه. فكانت خيل بشر من بناء الرؤاسي، وهي سوابق الخيل في العراق. وحكي أن بشراً سابق بفرسه من بنات الرؤاسي خيل يوسف بن عمر فسبقها فشق عليه ذلك. وبعد مدة قيل ليوسف بن عمر ألا تجري الخيل؟ فقال: الآن ابعثني وابعث بالسبق إلى عبد الملك، لأن بشراً حمل بعض الرؤاسي على بعض، فرققن وضعفن، والزائدية أغلظ منها وأقوى، وسمي الرؤاسي لأن رجلاً من سليم يسمى عبد الملك رأس استوهب ما في بطن الحميراء من معقل بن عروة فوهبه إياه. فلما وضعته أعجب معقل، فقال لعبد الملك: دعه وأهب لك ما شئت، فأبى فقال معقل: إذن لا ألبؤه لك فقال: هاته. فأخذه واشترى له برزونة، حين وضعت فألبأه منها ثم خدمه حتى أجدع، فأرسله في الحلبة فلم يصنع شيئاً ثم أثنى فأرسله في الحلبة فلم يصنع شيئاً. فأعاره إلى رجل من دهاقين خراسان، فابتذله فانتسب أي رجع إلى نسبه ونزع إلى عرقه بعد ما أربع، فكان سابقاً لا يجارى، وكان معقل خبيراً بالخيل، فإذا أجريت استدبرها فأيها كان أدنى سنبكاً من الأرض سابق عليه، فالزائدية سوابق خيل الشام، والرؤاسية سوابق خيل العراق. وحكى المسعودي: أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك كان مغرماً بالخيل وجمعها للحلبة؛ وكان فرسه السندي جواداً سابقاً إلاّ أنه يقصره في الحلبة عن فرس هشام المعروف بالزائد. وربما جاء معه مصلياً، فأجرى الوليد الخيل يوماً بالرصافة، وكانت الحلبة ألف قارح، فوقف بها ينتظر الزائد ومعه سعيد بن العاص، وكان جواده المصباح فيها فلما طلعت الخيل قال الوليد:

خيلي ورب الكعبة المحرمة ... سبقن أفراس الرجال اللومة

كما سبقناهم وحزنا المكرمه

فأقبل فرس يسمى الوضاح أمام الخيل فلما دنا صرع فارسه وأقبل المصباح فرس سعيد يتلوه وعليه فارسه فقال سعيد:

نحن سبقنا اليوم خيل اللومه ... وصرف الله إلينا المكرمه

كذاك كنا في الدهور المقدمه ... أهل العلا والرتب المعظمه

فضحك الوليد لما سمعه، وخشي أن يسبق فرس سعيد فركض فرسه حتى ساوى الوضاح، فقذف بنفسه عليه ودخل سابقاً. ثم عرضت على الوليد الخيل في الحلبة الثانية، فمر به فرس لسعيد فقال: لا نسابقك أبا عنيسه وأنت القائل: (نحن سبقنا اليوم خيل اللومة) فقال سعيد: ليس كذا يا أمير المؤمنين، وإنما قلت (نحن سبقنا اليوم خيلاً لومه) فضحك الوليد وضمه إلى نفسه وقال: لا عدمت قريش أخا مثلك. وقال الأصمعي: حدثني ابن قتب قال: قدم أعرابي من أهل نجد على الوليد بن عبد الملك وقد ضمر الخيل للمسابقة، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين أريد أن أرسل خيلي مع خيلك، فقال: كيف تراها فقال: حجازية لو ضمها مضمارك ذهبت. فقال له الوليد: ما اسمك؟ قال: أسيلم بن الأحنف، فقال له: إنك لمنقوص الاسم أعوج اسم الأب. ثم أرسلت الخيل فسبق الأعرابي على فرسه حزمة. فقال له الوليد: أواهبها أنت لي؟ قال: إنها قديمة الصحبة ولها حق، ولكني أحملك على مهر لها قد سبق عاماً أول، وهو في بطنها له تسعة أشهر والمهر إذا أتت عليه عشرة أشهر في بطن أمه ربض، أي: تحرك. وقال أيضاً: كان ابن هشام بن عبد الملك يعتني بشأن الخيل حتى أن خيله لا تكاد تسبق فسبقت له فرس وصلت أختها ففرح بذلك، وقال: عليَّ بالشعراء، قال أبو النجم فدعينا له فقال: قولوا في هذه الفرس وأختها. فطلب الشعراء منه المهلة، وقلت مرتجلاً:

أشاع للغراء فينا ذكرها ... قوائم عوج أطعن أمرها

وما نسينا بالطريق مهرها ... حين نقيس قدره وقدرها

<<  <   >  >>