للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهم هذه الوظائف وظيفة «الرفادة» ، فقد فرض قصي على قريش خرجا تخرجه من أموالها، وتدفعه إليه، فيصنع به طعاما يقدمه للحجاج في أيام عرفات ومنى، على اعتبار أن الحجاج هم ضيوف الله «١» ، فقال لهم كما يروي ابن إسحاق (ت ١٥١ هـ) «يا معشر قريش، إنكم جيران الله، وأهل بيته، وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيف الله، وزوّار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج، يصدروا عنكم، ففعلوا» «٢» . ويدل هذا العمل على حكمة قصي؛ لأن إمداد الحجاج بالطعام يدعوهم إلى القدوم إلى مكة، ويكسب سكان الحرم وأهله احتراما وتقديرا لدى القبائل الضاربة في أعمال البوادي، والنازلة على خطوط القوافل وطرقها، وظهر هذا الكلام في شعر الأعراب الذين مدحوا قصيّا فقالوا: -

اب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زبد قصي لحما «٣»

ولبنا محضا وخبزا هشما

لقد أفاضت المصادر في ذكر فضائل هاشم وكرمه؛ إذ اشتهرت هذه الوظيفة في زمنه «٤» ، فكان يطعمهم الخبز والثريد، فقال الشاعر يمدحه ويصف كرمه:

عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة مسنتين عجاف

سنت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف «٥»

ويظهر أن الذي كان يتولى الرفادة من بني هاشم هم الأغنياء؛ لأنها تحتاج إلى مال وثروة، فوليها المطلب بن هاشم، ومن بعده عبد المطلب، فأقامها للناس، وشرف في قومه، فكانت هذه الوظيفة في نسله، فوليها العباس بن عبد المطلب «ت ٣٢ هـ» ، وظهر الإسلام وهو على ذلك، فأقره رسول الله صلّى الله عليه وسلم «٦» .


- الأزرقي، أخبار مكة (ج ٢، ص ٦٦، ٦٧) (ابن إسحاق) . والبلاذري، أنساب (ج ١، ص ٥٢) .
(١) ابن هشام، السيرة (م ١ ص ١٣٠) . وابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٧٢، ٧٣) .
(٢) ابن هشام، السيرة (م ١، ص ١٣٠) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٧٣) . والبلاذري، أنساب (ج ١، ص ٥٣) .
(٣) البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٥١) .
(٤) ابن هشام، السيرة (م ١ ص ١٣٠) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٧٣) . الأزرقي، أخبار مكة (ج ٢ ص ٦٧) (ابن إسحاق) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٥٢) . الطبري، تاريخ (ج ٢، ص ٢٥١- ٢٥٤) (محمد بن أبي بكر) .
(٥) الشعر للشاعر عبد الله بن الزبعري. انظر: ابن هشام، السيرة (م ١، ص ١٣٦) . القالي أبا علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (ت ٣٥٦ هـ) ذيل الأمالي والنوادر ط ٣ مطبعة إسماعيل بن يوسف د. ت (ص ٢٠١) .
(٦) ابن هشام، السيرة (م ١ ص ١٣٥، ١٣٦، ١٤٧) . وابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٨١- ٨٣) . -

<<  <   >  >>