للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرعى غنمه نهاره ثم يريحهما عليهما- أي يأتيهما- إذا أمسى في الغار» «١» ، أما أسماء بنت أبي بكر (ت ٦٤ هـ) فكان دورها في الخطة أن تأتي ليلا بالطعام إلى الغار «٢» ، ويبدو أن اختيار أسماء كان مقصودا؛ لأن المرأة لا تثير شك أحد، أما أخوها عبد الله (ت ١٦ هـ) فكان يقوم بدور مهم في مراقبة تحركات قريش والإتيان بأخبارها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار، وكان اختيار عبد الله (ت ١٦ هـ) في غاية الحكمة فهو «شاب ثقف لقن» «٣» أي حاذق سريع الفهم، فكان يخرج من عندهما بالسحر، ويصبح مع قريش بمكة، كأنه كان قائما فيها فلا يسمع من قريش أمرا يبيتونه إلا وعاه حتى يأتيهما في المساء بخبره «٤» .

وينتظر أن يقوم كل واحد من هؤلاء بدوره المرسوم في الخطة بدقة متناهية، حتى كان اليوم الثالث، فخف الطلب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج بعد أن توافق التقدير النبوي المسبق الذي ضربه لابن أريقط وتقادير عبد الله بن أبي بكر (ت ١٦ هـ) عن مكة.

لقد أنقذت هذه الهجرة الدعوة الإسلامية وانتقلت بها من مرحلة الضعف إلى القوة ومن الدعوة إلى الدولة، وكانت بداية تكوين خطة جديدة تلائم الأرض الجديدة السيادة فيها للإسلام «وهكذا؛ دخل محمد صلّى الله عليه وسلم المدينة وعلى رأسه إكليل من الغار وكان استقبال الناس له استقبال فاتح عاد منتصرا لا استقبال مهاجر يطلب ملجأ» «٥» .


(١) البخاري، الصحيح (ج ٥، ص ٧٦) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م ١، ص ٤٨٦) . ابن سعد، الطبقات (ج ٢، ص ٢٢٩) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٢٦) . الطبري، تاريخ (ج ٢، ص ٢٢٩، ٣٧٦- ٣٧٨) .
(٢) البخاري، الصحيح (ج ٥، ص ٧٨) . ابن هشام، السيرة (م ١، ص ٤٨٦) . (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٢٢٩) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٢٦٠) . الساعاتي، الفتح (ج ٢٠، ص ٢٨١) .
(٣) البخاري، الصحيح (ج ٥، ص ٧٥) .
(٤) مصطفى السباعي، السيرة النبوية، دروس وعبر (ط ٥) دمشق، المكتب الإسلامي، (١٩٨٠ م) ، (ص ٦٤) .
(٥) أرفنج داشنجتون، حياة محمد (ط ٢) دار المعارف، مصر، (١٩٦٦ م) ، (ص ١٢٧) .

<<  <   >  >>