فعليّ كرم الله وجهه في الجنة أتقى وأزهد وأورع من أن تستفزه غلبة الشهوة على ارتكاب محارم الله وقد اجتمع فيه من الدين المتين والورع الحاجز والزهادة في الدنيا وجماع الفضائل ما لم يجتمع لأحد سواه وقد أبغضته فرقة تسمى الناصبة ففرطوا في دينهم وشقوا بسببه وأحبه آخرون فأفرطوا حتى أبغضوا بسببه كثيرا من الصحابة وقد تقدم اليه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال يا علىّ ان فيك مثلا من عيسى ابن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبه النصارى حتى انزلوه المنزلة التي ليس بها ونكب اهل السنة والجماعة عن الطرفين فاحبوا وتولوا جميعهم ونشروا محاسنهم وجنبوا معايبهم وكذبوا نقلتها واعتذروا على ما صح منها فالمؤمن يتحرى المعاذير والمنافق يتتبع العورات ومن سلم سلم ومن اطلق لسانه بالثلب ندم ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله ولى التوفيق.
[خبر الذهيبة التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أربعة نفر]
روينا في صحيح البخاري عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث على الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع اما علقمة أو عامر بن الطفيل اليه أمر القسمة ثم يبقى الاشكال الحاصل في عدم استبرائها وجوابه ان سيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه لم يطأها بل استمتع بها بمادون الوطئ ولابدع ان يغتسل من ذلك لامكان انه أنزل به والاستمتاع بالمسبية بما دون الوطء جائز ولو صرحت رواية بانه وطئها فجوابه انه لعلها كانت بكرا وكان يري عدم وجوب استبراء البكر (يستفزه) يستخفه ويحمله (الحاجز) بالزاى المانع (وجماع الفضائل) بكسر الجيم (تسمى الناصبة) بالنون والمهملة والموحدة (ففرطوا) قصروا (وشقوا) بضم القاف (فافرطوا) غلوا وجاوزوا الحد (حتى بهتوا) بالموحدة والفوقية كما مر أى رموها بالزنا (فانزلوه المنزلة التي ليس بها) هو قولهم عيسى ابن الله (المعاذير) باهمال العين واعجام الذال جمع معذرة (ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) هو حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه عن أبى هريرة ورواه أحمد والطبراني في الكبير عن الحسين بن على ورواه الحاكم في الكنى عن أبي بكر ورواه الشيرازى عن أبي ذر ورواه الحاكم في تاريخه عن على ورواه الطبراني في الاوسط عن زيد بن ثابت ورواه ابن عساكر عن الحارث بن هشام (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (بذهيبة) تصغير ذهبة وهي تأنيث الذهب وكانه ذهب به الى معني القطعة وفي رواية لمسلم بذهبة مكبر (في أديم) أى جلد (مقروظ) أي مدبوغ بالقاف والظاء شجر يدبغ به (لم تحصل) مبني للمفعول (من ترابها) أى لم يميز من تراب المعدن (اما) بكسر الهمزة (علقمة) هو ابن علاثة بضم المهملة وبمثلثة كما في رواية (واما عامر بن الطفيل) قال العلماء ذكر عامر هنا وهم ظاهر لانه توفي قبل ذلك بسنين كما مر ذكر وفاته والصواب