بعدى ووجد حقائق ممهدة كان على تنسيقها أقدر وعلى صوغها أدق!!
ومما لا ريب فيه أن الإسلام دين تنهض دعائمه الأولى على الإيمان بالله واتباع ما أوحاه إلى رسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن عقائده وعباداته ليست مجال أخذ ورد.
لكن " نظام الحكم والمال " فيه يعتمد على نصوص محدودة، ثم على قواعد وأقيسة ومبادئ ومصالح كثيرة..
وقد جمد " الفقه الدستورى " لدينا من أعصار بعيدة، ثم جمد بعده " فقه الفروع " منذ أغلق باب الاجتهاد حتى فتحه أناس ليسوا موضع طمأنينة..
كان رجال القانون فى أوربا وأمريكا ـ منذ قرنين ـ يضعون الدساتير التى تقيد الملوك والرؤساء، وتبرز سلطات الأمم فى وجه الحاكم الفردى المطلق.
أما نحن فكان المطلوب منا أن ندعو إلى الإسلام.. وحسب، والذين يشمئزون من كلمة " ديمقراطية " لا يفكرون فى القيام بجهد عملى بنقل " الشورى " الإسلامية من ميدان الفكر النظرى المطلق إلى قوانين دقيقة تنصف الجماهير العانية وتضبط سلطات الولاة على اختلاف ألقابهم.
ونحن نسمى هذا التزمت بلادة، وربما اتهمنا بواعثه النفسية، وإذا كان أصحابه مخلصين فهو إخلاص " الدبة " التى قتلت صاحبها، وقد أصاب الإسلام أعظم الضرر من هؤلاء!!
تأمل فى هذه القصة التى ذكرها الشيخ الكبير محمد رشيد رضا قال:
إن الخديوى إسماعيل استدعى رفاعة الطهطاوى وخاطبه:
" يا رفاعة، أنت أزهرى تعلمت فى الأزهر وتربيت به، وأنت أعرف الناس بعلمائه، وأقدرهم على إقناعهم بما ندبناك له..إن الفرنجة قد صارت لهم حقوق ومعاملات كثيرة فى هذه البلاد، وتحدث بينهم وبين الأهالى قضايا، وقد شكا الكثيرون إلىّ أنهم لا يعلمون أيحكم لهم أم عليهم فى هذه القضايا؟ ولا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم.. لأن كتب الفقه التى يحكم بها علماؤنا معقدة وكثيرة الخلاف، فاطلب من علماء الأزهر أن يضعوا كتاباً فى الأحكام المدنية الشرعية تشبه كتب القانون فى تفصيل المواد واطراح الخلاف، حتى لا تضطرب أحكام القضاة، فإن لم يفعلوا