للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز فنسخ المظالم السابقة، وأشاع الرخاء حتى عز على الأغنياء أن يجدوا الفقراء الذين يأخذون صدقاتهم!

ولقد أتى بعد أنس بن مالك عصر الفقهاء والمحدثين الذين أحيوا الثقافة الإسلامية وخدموا الإسلام أروع وأجل خدمة، فكيف يقال: إن الرسالة الإسلامية الخاتمة كانت تنحدر من سيئ إلى أسوأ؟؟ هذا هراء.

الواقع أن أنساً رضى الله عنه كان يقصد بحديثه منع الخروج المسلح على الدولة بالطريقة التى شاعت فى عهده ومن بعده، فمزقت شمل الأمة، وألحقت بأهل الحق خسائر جسيمة، ولم تنل المبطلين بأذى يذكر.

ـ وأنس بن مالك أشرف ديناً من أن يمالئ الحجاج أو يقبل مظالمه، ولكنه أرحم بالأمة من أن يزج بأتقيائها وشجعانها فى مغامرات فردية تأتى عليهم، ويبقى الحجاج بعدها راسخاً مكيناً!

ـ وتصبيره الناس حتى يلقوا ربهم ـ أى حتى ينتهوا هم ـ لا يعنى أن الظلم سوف يبقى إلى قيام الساعة، وأن الاستكانة الظالمة سنة ماضية إلى الأبد!

إن هذا الظاهر باطل يقيناً، والقضية المحدودة التى أفتى فيها أنس لا يجوز أن تتحول إلى مبدأ قانونى يحكم الأجيال كلها..

لقد سلخ الإسلام من تاريخه المديد أربعة عشر قرناً، وسيبقى الإسلام على ظهر الأرض ما صلحت الأرض للحياة والبقاء وما قضت حكمة الله أن يختبر سكانها بالخير والشر.

ويوم ينتهى الإسلام من هذه الدنيا فلن تكون هذه دنيا لأن الشمس ستنطفئ والنجوم ستنكدر، والحصاد الأخير سيطوى العالم أجمع!

فليخسأ الجبناء دعاة الهزيمة وليعلموا أن الله أبر بدينه وعباده مما يظنون.

لقد ذكر لى بعضهم حديث " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " [رواه أحمد

والجماعة] وكأنه يفهم منه أن الإسلام سينكمش ويضعف وأن على من يسمع هذا الحديث أن يهادن الإثم، ويداهن الجائرين ويستكين للأفول الذى لا محيص عنه!

وإيراد الحديث وفهمه على هذا النحو مرض شائع قديم.

<<  <   >  >>