للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو سرت جرثومة هذا المرض إلى صلاح الدين الأيوبى ما فكر فى استنقاذ بيت المقدس من الصليبيين القدامى!

ولو سرت جرثومة هذا المرض إلى سيف الدين قطز ما نهض إلى دحر التتار فى " عين جالوت "!

ولو سرت جرثومة هذا المرض إلى زعماء الفكر الإسلامى فى عصرنا الحاضر ابتداء من جمال الدين الأفغانى إلى الشهداء والأحياء من حملة اللواء السامق ما فكروا أن يخطوا حرفاً أو يكتبوا سطراً!

وقلت فى نفسى: أيكون الإسلام غريباً وأتباعه الذين ينتسبون إليه يبلغون وفق الإحصاءات الأخيرة ثمانمائة مليون نفس؟

يا للخذلان والعار!

الواقع أن هذا الحديث وأشباهه يشير إلى الأزمات التى سوف يواجهها الحق فى مسيرته الطويلة فإن الباطل لن تلين بسهولة قناته بل ربما وصل فى جرأته على الإيمان أن يقتحم حدوده ويهدد حقيقته، ويحاول الإجهاز عليه!

وعندما تتجلى الظلماء عن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يقاومون الضلال بجلد، ولا يستوحشون من جو الفتنة الذى يعيشون فيه، ولا يتخاذلون للغربة الروحية والفكرية التى يعانونها، ولا يزالون يؤدون ما عليهم لله حتى تنقشع الغمة ويخرج الإسلام من محنته مكتمل الصفحة، بل لعله يستأنف زحفه الطهور فيضم إلى أرضه أرضاً وإلى رجاله رجالاً.

وذلك ما وقع خلال أعصار مضت، وذلك ما سيقع خلال أعصار تجىء، وهذا ما ينطق به حديث الغربة الآنف، فقد جاء فى بعض رواياته:

" طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدى من سنتى " [راجع فى روايات الحديث كلها كتاب " غربة الإسلام " لابن رجب الحنبلى] فليست الغربة موقفاً سلبياً عاجزاً، إنها جهاد قائم دائم حتى تتغير الظروف الرديئة ويلقى الدين حظوظاً أفضل.

وليس الغرباء هم التافهون من مسلمى زماننا، بل هم الرجال الذين رفضوا الهزائم النازلة وتوكلوا على الله فى مدافعتها حتى تلاشت!

<<  <   >  >>