والحقيقة أن الاستعمار جرد أيدى المسلمين من الذكر الحكيم والسنة المطهرة، وبنى الثقافات التى احتضنها والنضهات التى أقرها على أن تكون بعيدة كل البعد عن الكتاب والسنة.
وبناء الأمم على غير عقيدة لا يساوى شيئاً.. إن العقيدة فى الكيان الاجتماعى كالقلب فى الجسد الإنسانى، وكالتيار فى المصباح الكهربائى وكالوقود فى الآلة الدوارة.
واجتياح عقيدة فى أمة ما، معناه إبقاؤها على الأرض مجموعة من الناس لا تصلح فى سلم ولا حرب، ولا تكترث إلا لملذاتها الفردية، ولا تصير فى الأسرة الدولية إلا عضواً زرياً يحسن الأكل والسفاد وحسب.
وقد اجتهد الاستعمار أن يوقع بالمسلمين هذه النكبة الماحقة عندما هبط أرضهم، واستباح عرضهم، وقرر سراً وعلناً أن يفتنهم عن دينهم، وألا يسمح لهم بالعيش فى ظله.
يقول الأستاذ أحمد موسى سالم فى كتابه " الإسلام وقضايانا المعاصرة " أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وإلى اليوم ظهرت دعوات وصيغ كثيرة فى بناء القومية العربية، أو فى العمل على تقويضها وتفتيت فكرتها، بعض هذه الدعوات أوحى به الاستعمار، وبعضها أفرزه التخلف وشجعه الشعور المهين بالتبعية الثقافية للغرب، وبعضها يمكن أن يصحح نفسه ويتطور ويقترب من الاتجاه الصحيح.
وفيما يلى نستعرض فى إيجاز عابر صوراً دقيقة بقدر الإمكان لهذه الدعوات أو الصيغ التى يتداولها الفكر فى المجتمع العربى من الخليج إلى المحيط، فى إطار الدعوة للقومية العربية، وذلك منذ سقط الصرح البالى للإمبراطورية العثمانية عن هذا الوليد العربى القوى الغنى الذى يصرخ بطلب الحياة، بينما تمتد مخالب كثيرة لأعدائه تدعى أمومته أو أبوته لتصنع منه عبداً، وتفرض عليه وصاية من خلال حضانتها له بفكر سياسى خاطىء وإن كان له بريق: