للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: "مع شيء غير قليل من التسامح والتجوز" و"إلى حد ما" لأن القول بضعف بعض العلل النحوية قديم متعارف في المشرق حتى جرى به المثل فقيل: "أضعف من حجة نحوي" على ما في هذا القول من مبالغة وخطأ في التعميم. وعلماء هذا الشأن أحاطوا بذلك وأشاروا إليه وعلموه، وصرح الخليل بن أحمد "١٧٥م" قبل ابن حزم بنحو ثلاثة قرون أنك لا تصل إلى ما تحتاج إليه من النحو حتى تتعلم ما لا تحتاج إليه. فاستضعاف العلل النحوية قال به كثيرون قبل ابن حزم, فليس فيه بسابق، وإنما بالغ ابن حزم حين جعلها "فاسدة جدا" فعمم واشتط. والحقيقة الهادئة هي عند الذين صنفوا هذه العلل, فجعلوا منها المقبول ومنها الضعيف ومنها الخيالي١.

وفرق كبير بين إطلاق ابن حزم ومن قلده كابن مضاء، ومن تجرد للبحث والاستقراء بأناة وصبر فجمع الأمثلة والشواهد بين يديه يمعن فيها ويفلسفها حتى انتهى إلى "أن العرب قد


= والذي رفع "زيد" هو المتكلم, وأن القول: إن الألفاظ يحدث بعضها بعضا باطل عقلا وشرعا لا يقول به أحد من العقلاء! "ص٨٧" وأفاض في فلسفة هذه البديهية بما لا طائل تحته، وإلا فهل يغيب على أحد أن المتكلم هو الذي يرفع وينصب على الحقيقة, وأن إسناد ذلك إلى العامل اللفظي مجاز وتقريب على المتعلمين، وهذا أسلوب شائع في جميع العلوم لا في النحو فقط. وهذه البديهية ذكرها عرضا ابن جني ونقلها عنه ابن مضاء نفسه في الصفحة المذكورة، بل تلك بديهة لكل مزاولي النحو تعلما وتعليما.
وفي الرسالة بعد، نظرات جزئية في مسائل بعضها سائغ، لكنه انتهى به الأمر إلى أن ناقض نفسه وإمامه ابن حزم, فقال بالعلل الأولى ونفي العلل الثواني والثوالث، وليس هذا مقام التفصيل في نقد كتابه.
١ انظر في العلل ص١٠١ من كتابي "في أصول النحو".

<<  <   >  >>