للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

النازل من قريش في سُرة بطحائها، المبعوث إلى الأسود والأحمر، بالكتاب العربي المنور، ولآله الطيبين أدعو الله بالرضوان لهم وأدعوه على أهل الشقاق لهم والعدوان.

ولعل الذين يغضون من العربية ويضعون من مقدارها، ويريدون أن يخفضوا ما رفع الله من منارها -حيث لم يجعل خيرة رسله وخيرة كتبه في عجم خلقه, ولكن في عربه- لا يبعدون عن الشعوبية منابذة للحق الأبلج، وزيغا عن سواء المنهج.

والذي لا يقضى منه العجب حال هؤلاء في قلة إنصافهم، وفرط جورهم واعتسافهم، وذلك أنهم لا يجدون علما من العلوم الإسلامية فقهها وكلامها، وعلمي تفسيرها وأخبارها، إلا وافتقاره إلى العربية بين لا يدفع، ومكشوف لا يتقنع، ويرون الكلام في معظم أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنيا على علم الإعراب والتفاسير، مشحونة بالروايات عن سيبويه والأخفش والكسائي والفراء وغيرهم من النحويين البصريين والكوفيين، والاستظهار في مآخذ النصوص بأقاويلهم، والتشبث بأهداف فسرهم وتأويلهم. وبهذا اللسان مناقلتهم في العلم ومحاورتهم، وتدريسهم ومناظرتهم، وبه تقطر في القراطيس أقلامهم، وبه تسطر الصكوك والسجلات حكامهم؛ فهم ملتبسون بالعربية أية سلكوا، غير منفكين منها أينما وجهوا، كل عليها حيث سيّروا. ثم إنهم في تضاعيف ذلك يجحدون فضلها، ويدفعون خصلها، ويذهبون عن توقيرها

<<  <   >  >>