وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان، المطلع على نكت نظم القرآن، الكافل بإبراز محاسنه، الموكل بإثارة معادنه؛ فالصادّ عنه كالسادّ لطرق الخير كيلا تسلك، والمريد بموارده أن تعاف وتترك.
ولقد ندبني ما بالمسلمين من الأرب، إلى معرفة كلام العرب، وما بي من الشفقة والحدَب، على أشياعي من حفدة الأدب؛ لإنشاء كتاب في الإعراب، محط بكافة الأبواب، مرتب ترتيبا يبلغ بهم ... الأمد البعيد بأقرب السعي، ويملأ سجالهم بأهون السقي، فأنشأت هذا الكتاب المترجم بكتاب "المفصل في صنعة الإعراب" مقسوما أربعة أقسام: القسم الأول في الأسماء، القسم الثاني في الأفعال، القسم الثالث في الحروف، القسم الرابع في المشترك، وفصلت كل صنف منها تفصيلا حتى رجع كل شيء في نصابه، واستقر في مركزه، ولم أدّخر فيما جمعت فيه من الفوائد المتكاثرة، مع الإيجاز غير المخلّ، والتلخيص غير المملّ، مناصحة لمقتبسيه، أرجو أن أجتني منه ثمرتي دعاء يستجاب وثناء يستطاب. والله -عز سلطانه- ولي المعونة على كل خير والتأييد، والملي بالتوفيق فيه والتسديد".
والمقدمة كما ترى -إلى ناحيتها التأريخية لأناس شأنهم الغضّ من العربية- صريحة بإرادة تحميل العبارة أكثر ما يمكن من أحكام على طريق الإيجاز والتكثيف، ومن هنا انبرى له كثيرون بالشرح والتوضيح، ومن جملتهم موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي المتوفى سنة "٦٤٣هـ" وهو أشهر الشراح على الإطلاق، وقد طبع شرحه بالمطبعة