للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإنما احتاج القوم إلى الاحتجاج لما خافوا على سلامة اللغة العربية بعد أن اختلط أهلها بالأعاجم إثر الفتوح, وسكنوا بلادهم وعايشوهم، فنشأ عن ذلك بسنة الطبيعة أخذ وعطاء في اللغة والأفكار والأخلاق والأعراف. وتنبه أولو البصر إلى أن الأمر آيل إلى إفساد اللغة وضياع العصبية من جهة، وإلى التفريط في


= فقال لي بصوت خفي: "إنه إسحاق" ومر غير متلبث ولا متوقف حتى رجع إلى مجلس إسحاق، فراعني ذلك. فلما مثلت بين يديه قال لي: كيف يقال: "وهذا المال مالا" أو"وهذا المال مال"؟! فعلمت ما أراد ميمون، فقلت له: "الوجه "وهذا المال مال" ويجوز "وهذا المال مالا"" فأقبل إسحاق على ميمون بغلظة وفظاظة ثم قال: "الزم الوجه في كتبك, ودعنا من يجوز ويجوز" ورمى بكتاب في يده، فسألت عن الخبر فإذا ميمون قد كتب إلى المأمون وهو ببلاد الروم عن إسحاق وذكر ما لا حمله, فكتب: "وهذا المال مالا" فخط المأمون على الموضع من الكتاب ووقع بخطه في حاشيته: "تخاطبني بلحن!! " فقامت القيامة على إسحاق.
فكان ميمون بعد ذلك يقول: "ما أدري كيف أشكر ابن قادم، أبقى علي روحي ونعمتي!! " قال ثعلب راوي الحديث: "فكان هذا مقدار العلم وعلى حسب ذلك كانت الرغبة في طلبه والحذر من الزلل" قال: "وهذا المال مالا" ليس بشيء، ولكن أحسن ابن قادم في التأتي لخلاص ميمون. إنباه الرواة ٣/ ١٥٧ وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص١٥٣.
حتى إذا امتد الزمن خف الاستنكار شيئا ما, فصرنا نرى ثعلبا النحوي "لا يتكلف إقامة الإعراب في كلامه إذا لم يخش لبسا في العبارة" ونرى إبراهيم الحربي وقد ذكر له ذلك يقول: "أيش يكون إذا لحن في كلامه؟ كان هشام النحوي يلحن في كلامه، وكان أبو هريرة يكلم صبيانه بالنبطية". إنباه الرواة ١/ ١٤٠.
بل كان بعض الأمراء بالبصرة يقرأ "إن الله وملائكتُهُ" بالرفع, فمضى إليه الأخفش ناصحا له فانتهره وتوعده, وقال: "تلحنون أمراءكم!! " إنباه الرواة ٢/ ٤٣.
على أن من يعتد بهم في المجتمع مضوا على استهجان اللحن زمنا طويلا, فقد حدث حفص بن غياث قال:
"وجه إلينا عيسى بن موسى ليلا فصرنا إليه والجند سماطان, وقد امتلأنا رعبا منه فقال:
"ما دعوتكم إلا لخيرا" فزالت هيبته من قلوبنا لقبح لحنه". المصون للعسكري ص١٤٦ طبعة حكومة الكويت سنة ١٩٦٠م.

<<  <   >  >>