للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: "فلم كان إسناد الفعل إلى الفاعل الذي هو الأصل موجبا للرفع دون النصب؟ وهلا كان الأمر بالعكس؟ " قيل: "لأنه لما وجب الفرق بين الفاعل والمفعول لإزالة اللبس، ووجدنا إسناد الفعل لا يكون إلا إلى فاعل واحد، ووقوعه يكون على مفعولات كثيرة: فمنه ما يقع على مفعول واحد، ومنه على مفعولين، ومنه على ثلاثة مفعولين، مع أن جنس الفعل متعديا كان أو لازما يتعدى إلى سبعة أشياء غير هذه الثلاثة وهي: المصدر وظرف الزمان وظرف المكان والمفعول له والحال والمفعول معه والمستثنى، مع خلاف في المفعول معه والمستثنى؛ فتلك عشرة كاملة. ولا يسند في ذلك كله إلا إلى فاعل واحد؛ فلما كان إسناد الفعل إلى الفاعل أقل ووقوعه على المفعول أكثر، والرفع أثقل والنصب أخف، أعطي الأقل الأثقل والأكثر الأخف معادلة بينهما؛ ولو عكس ذلك لكان عدولا عن المعادلة التي تقتضيها قضية المعدلة، واستكثارا لما يستثقل في كلامهم، وتركا للمناسبة، وخروجا عن قانون الحكمة. وما ذلك -في ضرب المثال- إلا بمنزلة رجل جعل بين يديه حجرين: أحدهما وزنه منا١ والآخر وزنه عشرة أمناء، وأمر إنسانا أن يحمل ما هو عشرة أمناء مرة واحدة، وما هو منا عشر مرات ليكون قلة العمل بإزاء الثقل، وكثرة العمل بإزاء الخفة, فإنه لا خفاء بأن ذلك مقارب للحكمة؛ ولو أمره بحمل الثقيل عشر مرات وبحمل الخفيف مرة واحدة لكان


١ المنا: رطلان.

<<  <   >  >>