إن نظرة فاحصة في دراسات المحدثين تقودنا إلى الشك في بعض ما عدوه من المسلمات انسحابا على أذيال بعض القدماء ممن تكلم في النحو والنحاة.
لقد أدار هؤلاء التصنيف على البلدان فقالوا:"نحاة الكوفة" و"نحاة البصرة" و"نحاة بغداد" حين ألفوا في الطبقات. فساق هذا -مع تساهل كبير- إلى أن قيل فيما بعد:"مذهب البصريين" و"مذهب الكوفيين" و"مذهب البغداديين".
وقد حان الوقت لتصحيح هذه التسمية، فالأقدمون ومن تأثر بنظرتهم من المحدثين جعلوا البصريين أهل القياس؛ لأن من ضبطه منهم كثيرون جدا ولهم فيه عناية بالغة، على حين عدوا الكوفيين أهل سماع؛ لأنهم سجلوا كل ما سمعوا، وأراغوا القياس عليه فلم يحكموه إحكام الأولين وإن أربوا عليهم في السماع مقدارا لا ضبطا وجودة.
هذه الصفحات محاولة في وضع الأمور في نصابها حيال ما يسمى بالمدارس أو بالمذاهب النحوية من جهة، ووقفة تاريخية فاحصة متروية عند نشأة هذا الفن من جهة أخرى.
والفن أو العلم كائن حي يخضع لما يخضع له الأحياء من سنن الحياة: يبدأ جنينا فرضيعا فطفلا فيافعا ففتى فشابا ...
وحول نشأة النحو بعض غموض اجتهدت في جلائه بما لدي من أضواء، ممتحنا الأخبار والروايات، متحريا فيها ما يشبه الحق وطبيعة الأشياء؛ حتى إذا اطمأننت إلى نتيجة أثبتها بعد امتحانها، ضاربا صفحا عن سطحيات وعناوين وتهاويل كثيرة يسميها أصحابها دراسات، الموضوع منها والمترجم سواء.
ورأيت أن ألحق بهذه الدراسة نصوصا مختارة لستة مؤلفين عظام في هذا الفن، تقوم كتبهم معالم في طريقه الطويلة، مع موجز من تراجمهم كما