للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك الديوان قصيدة شللي الشاعر الإنجليزي "إلى قبرة"، وهي من روائع هذا الشاعر وبدائعه، وفيها يشبه القبرة بالفرح المجرد. وليس معنى ذلك أن العقاد يقتبس من شللي أو ينقل، فهو يلهمه ويوحي إليه، أما بعد ذلك فمعانيه في قصائده له. وقد نحس نفس الإحساس إزاء كثير من قصائده بدواوينه المختلفة في الطبيعة والحب، ففيها جميعًا أثر قراءاته في الآداب الغربية؛ ولكنها مطبوعة بشخصيته، وتستمد من أفكاره وأحاسيسه ما يجعلها مصرية عربية صميمة.

ورأى في الغرب منزعًا نما بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ انصرف بعض الشعراء عن الحب والطبيعة والميثولوجيا القديمة إلى حياتهم الحاضرة، وحولوا كل ما فيها مما يُعد يوميًّا عاديًّا أو تافهًا إلى شعر لا يقل عن شعر الحب والطبيعة جمالًا وجلالًا. وفي داخل هذا الاتجاه أصدر ديوانه "عابر سبيل"، وفيه نراه يأخذ بعض الموضوعات اليومية ويفيض عليها من تأملاته العقلية والنفسية، على نحو ما نرى في قصيدته "كواء الثياب ليلة الأحد"، وهو يستهلها بقوله:

لا تنم لا تنم ... إنهم ساهرون

ومن قصائده في هذا اللون الجديد التي تؤثر في قارئها حقًّا قصيدة "صورة الحي في الأذن" و"نداء الباعة قبل انصرافهم في الساعة الثامنة". ونجد بجانب هذه القصائد متفرقات لعل أروعها قصيدته التي حيَّا فيها "دار العمال" ونعى ظلم الأغنياء لهم، بينما ينعمون بعرق جبينهم وجهد أيديهم.

وأخرج في الحرب العالمية الثانية ديوانه "أعاصير مغرب"، وسماه هذا الاسم إشارة إلى ظهوره وعالم الدنيا مضطرب بأعاصير الحرب وعالم نفسه مضطرب بأعاصير مختلفة من حب وغير حب. وهو موزع فيه بين العالَمين، وفيه كثير من الرثاء وشعر المناسبات، ولعل أروع قصائده فيه قصيدته في المذياع أو كما سماه "صَدَّاح الأثير"، وهو يفتتحها بقوله:

ملأ الآفاق صداح الأثير ... لا فضاء اليوم بل صوت ونور

وآخر دواوينه "بعد الأعاصير"، وأكثره مراثٍ ومناسبات، وضمنه مرثية ومقالة بديعة في صديقه المازني.

<<  <   >  >>