وُلد توفيق الحكيم في الإسكندرية سنة ١٨٩٨ لأب كان يشتغل في السلك القضائي، من قرية "الدلنجات" إحدى أعمال إيتاي البارود بمديرية البحيرة. وورث هذا الأب عن أمه ضيعة كبيرة، فهو يُعد من أثرياء الفلاحين، وقد تعلم وانتظم في وظائف القضاء، واقترن بسيدة تركية، أنجب منها توفيقًا، وكانت صارمة الطباع، تعتز بعنصرها التركي أمام زوجها المصري، وتشعر بكبرياء لا حد له أمام الفلاحين من أهله وأقاربه.
وقضت أيامها الأولى مع الطفل بين هؤلاء الفلاحين في الدلنجات، فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال، وتسد بكل حيلة أي طريق يصله بهم. ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي؛ إذ كانت تغلق في وجهه كل الأبواب التي تصله بالعالم الخارجي. ولما بلغ السابعة من عمره ألحقه أبوه بمدرسة دمنهور الابتدائية، وظل بها ردحًا من الزمن، حاول فيه أن يحرر نفسه من وثاق أمه وحياة الانفراد التي أخذته بها؛ ولكنه لم يستطع إلا في حدود ضيقة.
ولما أتم تعليمه الابتدائي رأى أبوه أن يرسله إلى القاهرة ليلتحق بإحدى المدارس الثانوية، وكان له بها عَمَّان يشتغل أحدهما مدرسًا بإحدى المدارس الابتدائية، أما الثاني فكان طالبًا بمدرسة الهندسة، وكانت تقيم معهما أخت لهما. فرأى أبوه أن يسكن مع عمَّيه وعمته؛ ليساعدوه على التفرغ للدرس، وأتاح له بُعْده عن أمه شيئًا من الحرية، فأخذ يُعْنَى بالموسيقى والتوقيع على العود.
وإذا كان الفتى المراهق قد عُنِي بالموسيقى فإنه أخذ يُعْنَى بالتمثيل والاختلاف إلى فرقه المختلفة، وفي هذه الأثناء أتم تعليمه الثانوي والتحق بمدرسة الحقوق، وكانت مواهبه الأدبية قد أخذت تستيقظ في قلبه وعقله، ورأى محمد تيمور