من التاريخ تارة ومن الأسطورة تارة ثانية، غير أنه لم يستكمل لها القيمة الدرامية التي كان ينشدها، سواء في بنائها وعناصرها الفنية أو في رسم شخوصها وتوليد حوارها وتتابعه بينهم. وهو أيضًا لم يستكمل لها القيمة الغنائية الخالصة؛ إذ يقصر شعره عن النهوض بأعباء الغناء والتلحين وما يستلزمان من أناشيد بسيطة عذبة.
وأول ما أخرجه في هذا الاتجاه "مغناة إحسان" -كما قدمنا- وحوادثها تجري في أثناء الحرب المصرية الحبشية التي نشبت في سنة ١٨٧٦، وكانت إحسان زوجة لابن عم لها ضابط اشترك في تلك الحرب وأظهر بسالة نادرة، غير أنه وقع في الأسر، فأشاع بعض رفاقه أنه مات. وعاد بعد خمس سنوات ليجد امرأته وقرة عينه قد تزوجت ومرضت، وهي في النزع الأخير، وتراه فيُغشى عليها من الدهشة وتموت. وأتبع هذه المغناة بمغناته "أردشير وحياة النفوس" اقتبسها من "ألف ليلة وليلة" وهي في أربعة فصول. وينظم مغناة "الآلهة" وهي مغناة رمزية، يجري فيها حوار بين شاعر فيلسوف وإلهتي الجمال والحب وإلهتي الشهوة والقوة، وهي في حقيقتها حوار خيالي وليست عملًا دراميًّا. ويعود إلى التاريخ فيؤلف مغناة "الزباء" ملكة تدمر.
وعلى هذا النحو كان أبو شادي غزير الإنتاج في شعرنا المعاصر غزارة مفرطة، ومن المحقق أنه لم تكن تنقصه موهبة الشعر، وأنه كان يستطيع أن ينظم توًّا في أي موضوع يعن له أو يفكر فيه، غير أنه استرسل في ذلك استرسالًا حال في أكثر الأحيان بينه وبين نضوج تجاربه الشعرية، كما حال بين كثير من شعره وبين إرضاء الفن فيه والنهوض بحقه.