تركي الأصل؛ بل كان ألبانيًّا، إلا أنه وأسرته صبغوا أنفسهم بالصبغة التركية. وخير ما يمثل ذلك مسجده الذي بناه على طراز مساجد الآستانة. وقد أنشأ مطبعة بولاق، وعُنيت في أكثر الأمر بطبع الكتب التركية، ولما أصدر "الوقائع المصرية" كان يصدرها بالعربية والتركية، وكانت أساليبه الإدارية أساليب تركية خالصة.
ومعنى ذلك أن أعمال محمد علي لم يكن فيها نزعة قومية ولا مصرية واضحة، وقد وَأَدَ بذور طموح المصريين لحكم أنفسهم -كما قدمنا- فلم يؤتِ ثماره؛ بل قضى عليه في مهده، ولكن أنَّى له! إن هذا الطموح لا يموت موتًا نهائيًّا؛ وإنما هو كالنار تبقى جذوته ضئيلة؛ ولكنها عاملة نشيطة.
فلما ولي سعيد ومن بعده إسماعيل أخذ هذا الطموح ينمو في الأرض الطيبة، وساعد على ذلك دخول أبناء الفلاحين في الجيش، ووصول بعضهم إلى المناصب الكبيرة في الإدارة المدنية من مثل: رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، ومحمود الفلكي. وزار مصر جمال الدين الأفغاني سنة ١٨٧١، وظل بها نحو ثماني سنوات، دعا فيها دعوته المشهورة في الإصلاح الديني، والإفادة من ثقافة الغرب في الدفاع عن الإسلام، كما دعا إلى التحرر من تدخل الأجانب في شئون البلاد الإسلامية، والثورة عليهم وعلى من يمهد لهم من الحكام المستبدين، والتفَّ حوله الشيخ محمد عبده وغيره. وكانت سياسة إسماعيل المالية قد تراءى فشلها وخطرها أمام الأنظار.
فكل ذلك نَمَّى الرأي العام والنزعة القومية، وسُرعان ما ظهرت صحف مصرية -مثل: جريدة مصر والوطن- تنقد في صراحة سياسة إسماعيل، وتنادي: مصر للمصريين. وسقطت وزارة نوبار سنة ١٨٧٩، وتطورت الحوادث، ونهضت هذه الروح نهوضًا قويًّا كان من نتائجه ثورة الجيش بقيادة عرابي ضد الضباط الأتراك الجراكسة لعهد توفيق سنة ١٨٨٢. واستعان توفيق ضد الحركة بحراب الإنجليز التي أغمدوها في صدور الشعب، ومن حينئذ أصبحت مصر خاضعة