رأينا ناجيًا يبدأ حياته الأدبية بالتزود من شعر جماعة النهضة، وكان يعجب منهم خاصة بخليل مطران، ويظهر أنه أصيب به في شكل حمى، حتى قيل: إنه كان يحفظ أكثر شعره. وكان أهم ما يعجبه عنده شعره الوجداني، والتفت من ذلك إلى المعين الغربي الذي ينهل منه مطران، فأقبل على أصحاب المنزع الرومانسي يقرأ في شعرهم وآثارهم وتحمس لهم كما تحمس لأستاذه؛ إذ أعجب إعجابًا شديدًا بمنجهم الذاتي الذي يقوم على تصوير خلجات النفس إزاء الحب والطبيعة دون العناية بحياة المدينة أو حياة الناس من حولهم. فهم شعراء فرديون، يؤمن كل منهم بنفسه ويصدر عنها في شعره، فالفرد هو كل شيء، وشعره إنما هو تجارب نفسية خاصة به، يصور فيها حبه ومشاعره وخواطره الوجدانية دون أن يحسب للمجتمع أي حساب، فهو ليس تعبير المجتمع؛ وإنما هو تعبير النفس.
وكان خليل مطران يوازن بين التعبير عن النفس والتعبير عن المجتمع، فكان ينظم في الأحداث السياسية رامزًا وغير رامز، وكان ينظم في أحداثه الوجدانية، وكثيرًا ما كان يتخلى عن نفسه وعن المجتمع لينظم في التاريخ. أما ناجي فقد أسلم زمام شعره لنفسه ولحمى الرومانسيين، وسرعان ما ظهر على شعره "طفح" هذه الحمى.
وأخرج في هذا التعبير أو هذا الاتجاه أول دواوينه "وراء الغمام"، وفيه قصيدتان مترجمتان هما: التذكار لألفريد دي موسيه، والبحيرة للامرتين. وكأنه يضع في يدنا مفتاح النغم الذي ينصب في ديوانه، فالشاعران من زعماء الرومانسية في فرنسا وشعرهما يفيض بالحب اليائس الحزين، وخاصة دي موسيه الذي لازمه في مغامراته سوء الطالع، والذي يصور في شعره نفسًا مضطربة قلقة، وكأنه يشرب الحياة من كوب ماء مرير.