وقبل الاحتلال الإنجليزي سنة ١٨٨٢ موضوعات سياسية ودينية واجتماعية، وهي موضوعات عامة، لم يكن يستمدها الكُتاب من عواطف فردية أو شخصية؛ وإنما كانوا يستمدونها من عواطف الشعب، فقد أصبح الشعب هو كل شيء، وأصبحت ميوله الإطار الذي توضع فيه المقالات الصحفية المختلفة.
وتعم الكآبة مصر وتخمد مؤقتًا هذه الجذوة القوية فيها لأول عهد الاحتلال؛ ولكن لا نمضي طويلًا حتى تسترد هذه الجذوة قوتها واشتعالها، فيصدر العفو عن الشيخ محمد عبده وعبد الله نديم اللذين اشتركا في الثورة العرابية، وتصدر صحيفة "المؤيد" يصدرها الشيخ علي يوسف، معبرًا فيها عن نزعتنا الوطنية، ويصدر عبد الله نديم صحيفة "الأستاذ" يناوئ فيها الاستعمار، ويصدر مصطفى كامل صحيفة "اللواء" ويبعثها نارًا ضد الاستعمار والمستعمرين، ويؤلف "الحزب الوطني"، ويصارع الإنجليز صراعًا قويًّا عنيفًا. ويتألف حزب الأمة، ويُصدر صحيفة "الجريدة" ويحررها لطفي السيد، ولم يكن هذا الحزب ثائرًا ثورة الحزب الوطني؛ بل كان يميل إلى الاعتدال في الكفاح، وقد خرج بفكرة أن مصر للمصريين، فينبغي ألا نفكر في الخلافة العثمانية والعثمانيين؛ بل ينبغي أن نقصر تفكيرنا على أنفسنا ومصالحنا. وكان مصطفى كامل يعطف على الخلافة الإسلامية، وهو عطف كان يصور فيه عواطف الشعب المصري الذي كان يعد هذه الخلافة رمزًا لدينه، ولم يكن مصطفى كامل يتعدَّى ذلك، فوجهته وطنه واستقلاله وتخليصه من براثن الاحتلال. وأعلنها حربًا شعواء على الإنجليز لا تضعف ولا تلين كما يلين حزب الأمة وأنصاره، واندفعت الأمة المصرية وراءه غاضبة ناقمة.
وهذه الحركة الوطنية التي كانت تصدر عن روح الأمة وما صحبها من ترجمة أو من التيار الغربي الذي أخذ يعمل في مجرى حياتنا الأدبية، كل ذلك كان مصدر نشاط أدبي خصب، سواء من حيث اللغة التي نعبر بها عن أدبنا، أو من حيث الموضوعات التي كان يتناولها.
أما اللغة، فقد تحررت من عوائق السجع والبديع. على أنه ينبغي ألا