وحاول محمد عبده محاولة تجديدية جريئة في الدين، وهو أهم مصلح ديني عرفته مصر الحديثة، وقد أخذ يدعو إلى تخليصه من الأوهام والخرافات، والبحث فيه بحثًا حرًّا على نمط البحث القديم عند المعتزلة، فباب الاجتهاد فيه لم يغلق، ولا ضير أبدًا في أن نبحث فيه وفي أصوله على ضوء الفكر الحديث. وأخذ يثبت في مقالاته وأبحاثه أنه دين عالمي حي، وأنه لا يتعارض مع المدنية الحديثة، ورد ردودًا قوية على من يهاجمونه من المستشرقين والمستعمرين. وقام بتفسير القرآن الكريم تفسيرًا جديدًا يتفق وهذه الروح. وأصلح القضاء الشرعي حين عُهد إليه بالإفتاء في عهد عباس الثاني كما أصلح مناهج التعليم في الجامعة الأزهرية.
وحمل قاسم أمين راية الإصلاح الاجتماعي، وقد رأى أن من أهم أسباب تأخرنا عن الغرب حجابَ المرأة وجهلها وشل هذا الجزء الحي في مجتمعنا وإهدار جميع حقوقه في الزواج بل في الحياة. وكتب في ذلك مجموعة من المقالات نشرها في صحيفة "المؤيد"، ثم جمعها في كتاب بعنوان "تحرير المرأة"، وأتبعه بكتاب آخر سماه "المرأة الجديدة"، وفيه دافع ثانية دفاعًا حارًّا عن حرية المرأة، ورسم خطوط هذه الحرية، وأنه ينبغي أن تخرج إلى حياتنا العامة، وأن تشترك في أعمالها ومسئولياتها المختلفة. وكان ذلك ثورة في أول القرن، وخاصة في البيئات المحافظة، وكُتب لهذه الثورة أن تنجح نجاحًا هائلًا بعد الحرب الأولى حين رُدت إلينا حريتنا، فخلعت المرأة الحجاب وتعلمت، وأصبحت تشارك في الأعمال الحكومية والمهن الحرة من طب وغير طب.
وعلى هذا النحو كانت كانت هذه الطبقة من كُتابنا تجدد حياتنا وعقولنا وتدفعنا خطوات إلى الأمام، وكان كثير من أفرادها قد أتقن اللغات الأجنبية، وأخذ نفسه بقراءة آثار المفكرين الغربيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فاندفع يقتبس من هذا الفكر الغربي الحي النشيط فيما يكتب لقومه من مقالات، وأهم من يوضح هذا الاتجاه فتحي زغلول وأحمد لطفي السيد، وقد ترجم الأول كتاب