للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها، ومن حيث عدد المحررين زاد عددهم جدًّا، وخاصة في الصحف اليومية الكبيرة. وبعد أن كانت كثرتهم من أوساط المثقفين أصبح كثير منهم يحمل الشهادات العالية والجامعية.

ومنذ نشأت الأحزاب أخذت الصحف تستكتب الأدباء حتى يقبل الجمهور على شرائها، ولم يكتب الأدباء في الأدب وحده؛ بل كتبوا في السياسة، ودخلوا في خصوماتها الحزبية، ونقلوا هذه الخصومات -كما قدمنا- إلى معارك في الأدب القديم والحديث. ومن هنا اتصلت الصحافة مباشرة بحركتنا الأدبية وتفاعلتا معًا، وتأثرت كل منهما بالأخرى تأثرًا واضحًا، أما الصحافة فإن دخول الأدباء فيها هذب لغتها ومكنها من التعبير السياسي الدقيق الذي يصور خوالج القارئين وعواطفهم السياسية.

وأما الحركة الأدبية، فإنها أخذت تحاول التطابق والتلاؤم مع القراء حتى لا يسخطوا على الصحيفة ولا ينصرفوا عن قراءتها. ونتج عن ذلك أن أدباءنا أخذوا يبسِّطون أدبهم وييسِّرونه حتى يفهمه الجمهور، وأكثره من العامة التي لا ترتفع أفهامها، والتي لا تعرف العمق والصعوبة؛ وإنما تعرف اليسر والسهولة.

ومن الطريف أن أدباءنا كانوا يعرضون على هذا الجمهور مقالات في الأدب العربي القديم وفي الأدب الغربي الحديث، وكانوا ما يزالون يبسِّطون في مقالاتهم؛ حتى يقتربوا من أذهان العامة، وحتى تفهم عنهم ما يقولون.

ولم يكد الزمن يتقدم حتى بدا للعِيَان أن أدباءنا ينشئون لغة جديدة بين العربية والعامية، فيها فصاحة الأولى وجزالتها، وفيها سهولة الثانية وقربها من الأفهام. وعلى هذا النحو أثرت صحافتنا في لغة أدبنا الحديث؛ بل هي التي جددت هذه اللغة تحت تأثير الجمهور الذي تخاطبه، ومن ثم نشأت محاولات جديدة في تبسيط أساليبنا، ونجح أدباؤنا في هذا التبسيط إلى أقصى حد ممكن، فقد مرنوا اللغة القديمة التي كانت تبدو أساليبها وصيغها كأنها صخور ثابتة، وألانوها وأتاحوا لها نموًّا وسَعَة شديدة، وكادوا لا يبقون من الأساليب القديمة إلا ما صقله اللسان المصري، وشاع، وفهمته العامة.

<<  <   >  >>