غير أن اتصاله بالكتب القديمة وبمثل مقدمة ابن خلدون التي كان يدرسها لطلاب دار العلوم نبهه إلى أن وراء هذه اللغة المعقدة الملتوية لغة سهلة مرنة على أداء المعاني بدون صعوبات السجع وما يتصل به. فلما وُكل إليه في سنة ١٨٨٠ تحرير الوقائع المصرية لجأ مباشرة إلى الأسلوب المرسل الطبيعي الذي يؤدي المعاني بدون عناء.
ولم يكتفِ بذلك؛ بل أخذ يعمل على نشر هذا الأسلوب بين تلاميذه الذين كانوا يكتبون معه من أمثال سعد زغلول، كما أخذ يشجع الصحف على احتذائه والضرب على قوالبه، وفي الوقت نفسه كان ينتقد من يكتبون فيها، ويطلب إلى أصحابها أن يختاروا من يحسن الكتابة بالأسلوب الجديد. وفتَح في الوقائع صفحات أدبية واجتماعية وسياسية، يكتب فيها هو وتلاميذه، وكأنه يريد أن يضع بين الكُتَّاب النموذج الأدبي الجديد الذي ينبغي أن يتوفروا عليه. وقد أخذ يرقى بلغة المخاطبات الرسمية في دواوين الحكومة بما ينشر منها على وجه صحيح، وكانوا في دواوين الحكومة يتخاطبون حينئذ "بضرب من ضروب التأليف بين الكلمات رَثٍّ غير مفهوم، ولا يمكن رده إلى لغة من لغات العالم لا في صورته ولا في مادته".
فتحريره الوقائع كان خطوة كبيرة في سبيل الرقي بلغة المخاطبات الحكومية وبلغة الصحافة، فقد خرج بها من أسلوب السجع والفواصل وأنواع الجناس والبديع إلى أسلوب مرسل حر، لا يضيق بالمعاني، ولا يضيق به القراء.
وكان الإصلاح الاجتماعي هو المحور الذي يدور عليه ما يكتبه في الوقائع، فكان يدعو إلى تأسيس الجمعيات الخيرية، ويبحث في بعض مشاكل التعليم، وينتقد من يأخذون من المدنية الغربية بقشورها الإباحية، ويدعو إلى نبذ الخرافات في الدين والتعاون على مصالح المعيشة. ونراه -مع طلائع الثورة العرابية سنة ١٨٨١- يكتب ثلاث مقالات في الشورى ووجوب الأخذ بالنظام النيابي المعروف عند الغربيين، ومن قوله في أولى هذه المقالات:
"معلوم أن الشرع لم يجئ ببيان كيفية مخصوصة لمناصحة الحُكَّام ولا طريقة