للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه ضاق بطريقة التعليم فيه، وتحول ذلك عنده إلى يأس، وسرعان ما وجد ما كان يطلبه عند محمد عبده، وقد تأثر تأثرًا قويًّا بتعاليمه.

ولم يكن يطلب التعمق في الدين؛ وإنما كان يطلب الأدب، فأخذ يختلف إلى دروس محمد عبده كما أخذ يختلف إلى كتب القدماء ودواوينهم، فهو يقرأ في ابن المقفع والجاحظ وبديع الزمان الهمذاني كما يقرأ في النقاد: الآمدي والباقلاني وعياض وغيرهم ممن تناولوا وصف الكلام الجيد، وممن وقفوا عند إعجاز القرآن وجمال أساليبه. وله كتاب يسمى "مختارات المنفلوطي" فيه منتخبات لمن سميناهم، ولكبار الشعراء من أمثال أبي تمام وابن الرومي وأبي العلاء.

وكان له ذوق جيد يعرف به كيف ينتخب لنفسه أروع ما في الكتب ودواوين الشعر العباسية من قطع وقصائد أدبية رائعة، فعكف على ذلك كله كما عكف على كتابات أستاذه محمد عبده يعب منها وينهل كما يعب وينهل من آثار معاصريه المترجمة والمؤلفة. وبذلك هيأ نفسه ليكون صحفيًّا بارعًا، ولسنا نقصد صحافة الأخبار؛ وإنما نقصد صحافة المقال.

ويقال: إنه أسف أسفًا شديدًا لموت محمد عبده، فرجع إلى بلدته ومكث بها عامين يكاتب صحيفة المؤيد، ثم عاد. وكان سعد زغلول معجبًا به، وتولى وزارة المعارف أو التربية والتعليم، فعينه محررًا عربيًّا لوزارته، وانتقل سعد إلى وزارة العدل، فنقله معه. ولكنه لم يظل في الوظيفة، فقد فُصل منها بعد خروج سعد من الوزارة، وظل يكتب في الصحف إلى أن قام البرلمان في سنة ١٩٢٣ فعينه سعد رئيسًا لطائفة من الكُتَّاب في مجلس الشيوخ، ولم يمهله القدر؛ إذ سرعان ما لبَّى نداء ربه.

وهذه هي حياته، وهي ليست حياة هنيئة، فقد كان يشقى في سبيل الحصول على ما يقيم به أوَده، وقد نظم وهو لا يزال طالبًا في الأزهر قصيدة في هجاء عباس، فحكم عليه بالسجن مدة عرف فيها مرارة السجون، وكان لذلك ولعدم توفيقه في حياته أثره في إحساسه بالبؤس والبؤساء وآلامهم.

<<  <   >  >>