وإنما قدمنا هذه المقدمة لندل على أن محمدًا نشأ في بيت ثراء وأدب، وقد ألحقه أبوه بمدرسة الأنجال التي كان يلتحق بها أبناء الطبقة الأرستقراطية، وكان في الوقت نفسه يدرس في الأزهر ليتقن اللغة العربية، كما كان يختلف إلى دروس جمال الدين ومحمد عبده، ووجد في أبيه أستاذًا أصيلًا تلقى عنه أصول الأدب علمًا وعملًا. ووظفه أبوه في دواوين الحكومة، غير أنه اشترك في ثورة عرابي، ففُصل من وظيفته بعد إخفاق الثورة. ونراه يخرج من مصر إلى أبيه في إيطاليا، ويستدعيه جمال الدين إلى باريس؛ ليساعده في إخراج صحيفة "العروة الوثقى" ويلبِّي دعوته. وتسنح له الفرصة ليتقن الفرنسية ويصادق بعض أدباء فرنسا من مثل "إسكندر ديماس الصغير". ويقال: إنه تعلم -وهو مع أبيه- الإيطالية وبعض مبادئ اللغة اللاتينية.
ويمضي في إيطاليا وفرنسا ثلاث سنوات، ثم يبرحهما إلى الآستانة قبل نزول أبيه بها، ويشتغل بإخراج رسالة الغفران لأبي العلاء وغيرها من الكتب. ويعود إلى القاهرة، فيشترك في تحرير الأهرام والمؤيد والمقطم. ويعود أبوه ويُخرج مجلة "مصباح الشرق" فيعاونه فيها، وينشر بها قصته "حديث عيسى بن هشام" في حلقات متتابعة، ويجمع هذه الحلقات ويذيعها سنة ١٩٠٦. ونراه يعين مديرًا للأوقاف في سنة ١٩١٠، وهو مع ذلك يحرِّر صحيفة "المقطم" ويكتب مقالات مختلفة في شئون السياسة والاجتماع في روح ثائرة ضد الاحتلال، وألف كتابًا سماه "أدب النفس" وهو رسائل في الأخلاق وشئون الحياة، وما زال يتابع هذه الكتابات حتى توفي سنة ١٩٣٠.
ومع ثقافته الواسعة بالآداب الفرنسية كان محافظًا شديد المحافظة. وتتضح هذه المحافظة في سلسلة مقالات نشرها في "مصباح الشرق" حين أخرج شوقي ديوانه الأول سنة ١٨٩٨، وزعم في مقدمته أنه سيحاول التجديد على ضوء ما قرأ في الآداب الغربية، وأشاد بشعر الطبيعة عند القوم. وتساءل المويلحي في مقالاته: ما الجديد الذي يريد شوقي إدخاله إلى العربية؟ وقال له: إنك تنظم