للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نلتقي به في مطالع القرن العشرين شاعرًا ناضجًا من ذوق مدرسة البارودي، وقد قرَّظه وأشاد بفضله حين نشر الجزء الأول من ديوانه سنة ١٩٠٢ كما نوَّه به المنفلوطي، وفي العام التالي نشر الجزء الثاني من هذا الديوان، فقرظه البارودي ثانية، وحيَّاه الشيخ محمد عبده راجيًا أن يسدي في خدمة الإسلام ما أسداه حسان في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام. ونشر الجزء الثالث من ديوانه سنة ١٩١٢، وناب حافظ إبراهيم عن البارودي في تقريظه. وبجانب هذا الديوان نشر ديوانًا ثانيًا بعنوان النظرات سنة ١٩٠٨، كما نشر قصائد متفرقة في مجلتي فتاة الشرق وأبولو. ويبدو في أشعاره جميعها تمسكه -على شاكلة مدرسة البارودي- بالصياغة القديمة. وقد فسح للغزل في دواوينه كما فسح للتهاني والمراثي والمشاعر الوطنية والإسلامية وأحاسيس المرارة من حالة مصر الاجتماعية حينئذ. ونراه دائمًا يحاول أن يبعث شعور الثقة إلى بني وطنه، كما نراه مهتمًّا بقضية المرأة العربية محذرًا لها من المغالاة في تقليد الأوربيات اللائي لا يعصمهن دين ولا عقيدة. وقد عُني إلى ذلك بوصف الطبيعة ووصف بعض المخترعات الحديثة كالخيالة وآلة التصوير.

ولا نكاد نتقدم في العقد الثاني من هذا القرن حتى نراه يتجه باطراد إلى النثر، وتصادف أن رصدت الجامعة المصرية جائزة لكتاب في "أدبيات اللغة العربية"، فعكف على الأدب العربي يدرسه، ولم يلبث أن نشر الجزء الأول من كتابه "تاريخ آداب العرب" سنة ١٩١١، وهو يدل على إيمانه الشديد بهذه الآداب، وأنها تعلقت قلبه حتى الشغاف. ودار العام، فأصدر الجزء الثاني من هذا التاريخ، وقصره على إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وقد طبعه فيما بعد مستقلًّا باسم إعجاز القرآن، وكتب سعد زغلول تقريظًا له شبَّه فيه أسلوب المؤلف بالتنزيل الحكيم، وهو تشبيه يصور حقيقة كبيرة، فإن الرافعي يتأثر في نثره العبارة القرآنية في بلاغتها وسموها.

ويتراءى الرافعي منذ هذا التاريخ مالكًا لأزمة اللغة والبيان، وكان أول ما جاشت به نفسه من النثر الفني كتابه "حديث القمر" الذي نشره في سنة

<<  <   >  >>