للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- "مقالات وحي القلم":

رأينا الرافعي ينشأ نشأة إسلامية عربية، وهي نشأة تغلغلت أصداؤها في فؤاده ونمت مع الزمن، فإذا هي تتحول إلى نثر فني بليغ يفيض بالإخلاص والطهر والإحساس بآلام الجماعة وكوارثها والشعور الدقيق بمآثر العرب ودَوْرهم في التاريخ وبمعاني الإسلام ومُثله الرفيعة. وهو إلى ذلك يصف الحب ومعانيه والجمال وألوانه والطبيعة ومفاتنها وما أودع الله فيها من المعاني التي تبهج الإنسان. وفي كل ذلك يغمس قلمه متأنيًا مترويًا، فالكتابة البيانية ليست شيئًا يسيرًا؛ بل هي شيء عسير، لا بد فيه من تأمل طويل، تأمل في الفكرة واستنباط فيها وتوليد، حتى تستحيل إلى موضوع متشعب كبير، وقد صوَّر ذلك في تقديمه للجزء الأول من وحي القلم، فقال:

"لا وجود للمقالة البيانية إلا في المعاني التي اشتملت عليها، يقيمها الكاتب على حدود، ويديرها على طريقة، مصيبًا بألفاظه مواقع الشعور، منيرًا بها مكامن الخيال، آخذًا بوزن، تاركًا بوزن؛ لتأخذ النفس كما يشاء وتترك. ونقل حقائق الدنيا نقلًا صحيحًا إلى الكتابة أو الشعر هو انتزاعها من الحياة في أسلوب، وإظهارها للحياة في أسلوب آخر يكون أوفى وأدق وأجمل، لوضعه

<<  <   >  >>