للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرن من نجاح، وتستقدم العلماء والأدباء الأوربيين، وما هي إلا دورات قليلة من الزمن حتى يصبح لمصر علماؤها المتخصصون في جميع فروع العلم، وأدباؤها الذين يلمون بجميع ضروب الآداب الغربية القديمة والحديثة.

وتُحقِّق الجامعة كل ما كان يُطْلَب منها من بحوث علمية وأدبية ممتازة، ويخرج منها جيل يُتم مع الأساتذة الرائدين هذه الدورة الرائعة في تاريخ علمنا وأدبنا، فيترجم الغربيون ما نحدثه كما ترجمنا، ونترجم ما يحدثونه.

فالأربعون سنة الأخيرة من تاريخنا الحديث تسجل نصرًا مؤزرًا لنهضتنا الأدبية الطويلة منذ منتصف القرن الماضي إلى هذا اليوم الذي نعيش فيه، لا لسبب إلا لأن هذين التيارين: العربي والغربي، اللذين كانا يبدوان منفصلين طوال الحقب السالفة اتَّحَدَا اتحادًا متينًا.

ولهذا مظهر واضح لا في حياة من برعوا في فَهْم الآداب الأجنبية؛ وإنما فيمن نزعوا إلى قديمنا الخالص من مثل: المنفلوطي والرافعي، فإنهم أقبلوا على التزود من الآداب الغربية المترجمة، حتى يحدثوا لأنفسهم صورًا أدبية جديرة بالتقدير من مواطنيهم، وكأنهم عرفوا أنه تولَّد عندنا رأي أدبي عام ينكر التمسك بالنموذج القديم الذي لا يلائم عصره وحياته، ويطلب النموذج الجديد الذي يطابق هذه الحياة وذلك العصر، حتى يستطيع أن يسيغه، وحتى يستطيع أن يتذوق ما فيه من جمال. ومن أجل ذلك استعان المنفلوطي ببعض القصص المترجمة أو بقصص ترجمت له؛ ليكتب ماجدولين وغيرها من أقاصيصه.

بل أكثر من ذلك رأينا بعض الأزهريين الذين أَلِفُوا التيار العربي الخالص ونماذجه يطلبون اللغات الأجنبية ويتعلمونها؛ حتى يقفوا على صور آدابها، وحتى يدخلوا في هذا النطاق الحيوي الجديد.

وكل ذلك معناه التحام التيار الغربي بالتيار العربي داخل بلدنا في حدة وقوة لم يسبق لهما مثيل ولا نظير في تاريخنا الحديث. وأخذنا ندعم ذلك من وجوه كثيرة؛ فمن جهة أنشأنا معهدًا للموسيقى وآخر للتمثيل، كما خطونا بالفنون الجميلة خُطُوات واسعة.

<<  <   >  >>