فاستجابت له، وأحالت تمثاله امرأة اقترن بها. وحوَّل الحكيم هذه الأسطورة إلى مأساة يقوم فيها صراع عنيف بين الفنان وإخلاصه لفنه وبين نداء الحياة الذي يلاحقه ولا يستطيع فكاكًا منه، وبعبارة أخرى: يصعد صراع بين ملكات الفنان وبين الإنسان الراقد في أطوائه. ويطلب بيجماليون إلى الآلهة أن تعيد له تمثاله، وتستجيب إليه، وما يلبث أن يتولاه القلق ويثور، فيحطم تمثاله، وتنتهي حياته بنفس الحيرة التي أنهى بها توفيق حياة شهريار في مأساته "شهرزاد".
ويعود توفيق إلى موضوعاتنا الدينية، ويختار سليمان الحكيم وقصة الهدهد وبلقيس التي جاءت في القرآن الكريم. ويمزج بين ذلك وبين قصة الجني والصياد في ألف ليلة وليلة، ويكتب مسرحيته "سليمان الحكيم"، يعرض فيها مُلْكه العظيم وحبه لبلقيس. وتتوالى الأحداث كما يميلها القضاء، وتتعطل إرادة الأشخاص حتى سليمان الحكيم نفسه، وقد اتخذ توفيق من الجني أو العفريت رمزًا للعقل المغرور الذي يظن واهمًا أنه قادر على كل شيء.
وفي سنة ١٩٤٩ يخرج قصة "الملك أوديب" التي تزعم الأسطورة الإغريقية أنه قتَل أباه وتزوج أمه، بدون معرفته. وكانت الآلهة قد تنبأت للأب بذلك نتيجة لخطيئة أحلت عليه اللعنة، فلما رُزق هذا الولد أمر راعيًا أن يحمله إلى أحد الجبال المهجورة ويقتله؛ ولكن الطفل أنقذ وتربى في بلاط ملك آخر، وتطورت الأحداث كما شاءت الآلهة. وعرَف أوديب وأمه أو زوجته ذلك أخيرًا، فانتحرت، وفقأ عينيه وحلت عليه اللعنة الأبدية.
وأخذ الحكيم هذه الأسطورة، فجردها من النبوءة الوثنية عند الإغريق وما يعتقدون في آلهتهم، ومضى في ظلالها يهاجم العقل ومحبته للبحث والاستطلاع، فإن أوديب يسعى للبحث عن حقيقته، بعد أن استوى ملكًا وتزوج أمه، وتصدمه الحقيقة هو وأمه؛ بل تقضي عليهما قضاء مبرمًا.
وإنما أطلنا في عرض هذه المسرحيات والمآسي؛ ليقف القارئ على أن لتوفيق فلسفة في مسرحه الذهني. وهي فلسفة يستمدها من الشرق وروحه العميقة التي تؤمن بقوى غيبية تسيطر على الإنسان وملكاته، والتي تشك في العقل وكل