والقصة محبوكة الأطراف، لا تقرؤها حتى تشعر بلذة، مردُّها إلى خبرة الكاتب بفن القصة وما يحتاجه من تشابك الحوادث والمفارقات والمفاجآت، وما يتخلل ذلك من نقد وفكاهة وتهكم وصراع. إنه قصاص بارع قد عرف أصول القصة، وطالما كتب في هذه الأصول بمقدمات قصصه، وقد أفردها ببحث مستقل، فهو أستاذ ماهر لا تعوزه ثقافة في عمله.
والشخصيات واضحة تمام الوضوح، وهي تنكشف تارة بوصف الكاتب لها، وتارة بسلوكها وأقوالها، وألقيت على سلوى أضواء كثيرة تصور تطورها النفسي من فتاة طاهرة إلى فتاة دنسة تعسة، وقد كانت اليد التي تنكرت لها هي نفسها اليد التي تقدمت لها في محنتها، تريد أن تخرجها منها. فالخير الذي يؤمن به الكاتب لا يزال يرسل شعاعه على البشر وما انطووا عليه من شرور.
وتُصوِّر القصة طبقاتنا المختلفة من غنية وفقيرة، وتحلَّل هذه الطبقات في خلقها وفي سموها ومباذلها، كما تحلَّل الشخصيات تحليلًا عميقًا، وهو تحليل يتناول الظاهر كما يتناول الباطن، والقصة تبدأ على هذا النحو؛ إذ تقول سلوى:
"لا أذكر من تاريخ حياتي قبل العاشرة من عمري إلا أطيافًا شاحبة. في تلك الفترة كان يَكْفُلني جدي لأبي، فأقمت معه في منزلنا العتيق، منزل لا فخامة فيه، تحيط به حديقة شعثاء، ويطل على حارة منزوية لا تُطْرَق، وكان جدي منذ تُوفي أبي قد أخلد إلى العزلة وآثر الوَحْدَة، وتوضحت على محيَّاه سمات التجهم للدنيا والتبرم بالحياة. ولم يكن يزوره إلا رجل علت به السن، وقوضت بناءه الأيام، يدعى "الطوخي أفندي" فيُمضي كلاهما بعض الوقت في حجرة الضيافة القائمة في ركن من الحديقة، فأراهما حينًا يتناقلان الحديث، وحينًا يلعبان بالنَّرْد ناشطين لا يعتريهما ملال. وكنت أنا في حجرتي يصك سمعي صوتهما مدويًا كهزيم الرعود، فتنتظمني رجفة ويخيل إليَّ أنهما مشتبكان في تضارب وسباب. ولم يكن في الدار من الخدم غير أم يونس والحاج مسرور، الأولى ضامرة عجفاء، توهم من يراها أنها تنوء بالأمراض؛