ناظرًا أو وزيرًا للأوقاف، ثم أسند إليه وزارة الحربية. وسرعان ما نكث توفيق عهده للأمة، فلم يُقم لها مجلس الشورى الذي تنتظره، واستقال البارودي، ثم عاد مع وزارة جديدة، ولكن توفيقًا لم يمضِ في طلبات الشعب، فتطورت الأمور. وعُهد إلى شاعرنا بتأليف الوزارة، وثار الجيش بقيادة عرابي ثورته المعروفة سنة ١٨٨٢ واستعان توفيق بحراب الإنجليز ضد الوطن وجيشه؛ حينئذ انضم البارودي إلى الثورة، وكان مترددًا كما يصور ذلك شعره؛ ولكنه عاد فحزم رأيه. ولما أخفقت الثورة قُدم إلى المحاكمة وحُكم عليه بالنفي إلى "سرنديب"، فظل بها سبعة عشر عامًا وبعض عام، يتغنى بآلامه وغربته وجروحه النفسية. وهناك تعلم الإنجليزية، وأخذ يؤلف مختاراته من الشعر القديم، فجمع لثلاثين شاعرًا عيون قصائدهم وأشعارهم. وأخيرًا صدر العفو عنه في سنة ١٩٠٠ فعاد إلى وطنه، واتخذ من بيته منتدى للأدباء والشعراء، إلا أن حياته لم تطل به، فقد اختطفه الموت سنة ١٩٠٤ ولم يكن قد طُبع ديوانه ولا مختاراته فطبعتهما أرملته، وبذلك قدَّمت للأجيال التالية هذين الكنزين النادرين من شعره ومنتخباته.