أداعي الأسى في مصر ويحك داعيا ... هددْتَ القُوَى إذ قمت بالأمس ناعيا
وهي تصور جزعه عليه من ناحية، وتصور من ناحية ثانية مدى إخلاصه له وحزنه عليه، وكل بيت فيها دمعة وفاء يذرفها على صديقه وزعيمه.
ومن الحق أن نفسه كانت كبيرة، وأنه كان يستشعر معاني الكرامة في أبلغ صورها. وقد تحول بيته إلى منتدى يألفه الأدباء والشعراء، وعُرف بين الأخيريين خاصة بذوقه الدقيق وحسه المرهف، فكانوا يعرضون عليه أشعارهم، ويستجيبون لنقده وملاحظاته، ولعل ذلك هو السبب في أن معاصريه كانوا يلقبونه "شيخ الشعراء" فهو شيخهم المجلِّي، واعترف بذلك حافظ وشوقي في رثائهما له، يقول حافظ:
لقد كنت أغشاه في داره ... وناديه فيها زها وازدهر
وأعرض شعري على مسمع ... لطيف يحس نبو الوَتَر
ويقول شوقي:
أيام أمرح في غبارك ناشئًا ... نَهْجَ الْمِهار على غبار خصاف١
أتعلم الغايات كيف ترام في ... مضمار فضل أو مجال قواف
ويُجمع معاصروه على أنه كان رقيقًا دمثًا وديعًا حلو النادرة، وهو من هذه الناحية يمثل رقة أهل القاهرة، وما يشتهرون به من خفة الظل ولطف الحس. وكانت في عصره "صالونات" أو ندوات لبعض السيدات كن يُقمنها على الطريقة الفرنسية، كندوة الأديبة المشهورة "مي". وقد دعمت هذه الندوات الرقة التي امتاز بها. وأنت لن تجد مثله شاعرًا استولى على معاصريه برقته ودعته ودماثته، ولعل ذلك هو السبب في أنه خرج من معارك النقاد في أيامه دون أن ينالوه بسوء. ومما يتصل بهذا الجانب عنده أنه لم يكن يهمه أن يسمى شاعرًا كبيرًا، فحسبه أن يغنِّي شعره لنفسه وفي خلواته.