وللرثاء جزء خاص من دواوينه، وحافظ يسبقه في هذا الفن، وإن كان لشوقي فيه بعض قصائد طريفة. ومرجع ذلك أن حافظًا كان من الشعب وكان يتأثر -أكثر منه- حين يموت مصلح من المصلحين، وشتان بين مراثيه ومراثي شوقي في الشيخ محمد عبده ومصطفى كامل. وربما كان أروع مراثي شوقي مرثيته في أبيه:
ما أبي إلا أخ فارقته ... وده الصدق وود الناس مين
لأنها صدرت من قلبه. وله مرثية مشهورة "على قبر نابليون".
وللمخترعات العصرية صحف مختلفة في دواوينه، نظمها بداعي هذا التحول الذي تحدثنا عنه مرارًا في الشعر؛ إذ أصبح جزءًا من الصحافة الحديثة، وأصبح يتناول موضوعاتها المختلفة من أخبار وأحداث، وربما كان ذلك هو الذي دعاه ليرثي تولستوي وليحيِّي ذكرى شكسبير.
وعلى هذا النحو كان شوقي يحلق بشعره في كل الأجواء. وقام أخيرًا بمحاولة رائعة؛ إذ حاول تمصير الفن المسرحي، فنظم طائفة من المسرحيات تحدثنا عنها في غير هذا الموضع. وعلى الرغم مما في هذه المحاولة من عيوب، أهمها أنه طبع شعره التمثيلي بطوابع شعره الغنائي، لا تزال أروع محاولة تمثيلية في الشعر العربي الحديث. وإذا قلنا: إنه سابق الشعراء في النصف الأول من هذا القرن غير منازَع ولا مدافَع لم نكن مغالين ولا مبالغين. وحقًّا تلقى قوالب شعره عن البارودي؛ ولكنه صب فيها مشاعر أمته والأمم العربية، كما صب فيها التمثيل صبًّا بديعًا، وهو صب لا يزال مثار الدهشة وموضع الإعجاب بين الأدباء والنقاد.