للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- شعره:

يجري في شعر خليل مطران كما يجري في شعر شوقي تياران من القديم العربي والجديد الغربي، وهما إن كانا يتفقان في هذه الظاهرة العامة فإنها يختلفان بعد ذلك في كل شيء؛ ذلك لأن خليل مطران لا يسرف على نفسه في الصب على القوالب القديمة، فقد كان شوقي وخاصة قبل منفاه يبدو شاعرًا تقليديًّا، فهو يُعْنَى أشد ما يعنى بمعارضة الأقدمين، وهو يصرح بذلك ولا يخفيه كما كان يصنع سلفه البارودي.

أما خليل مطران فلم يلجأ إلى المعارضة والاحتذاء التام على قصائد العباسيين وغيرهم في الوزن والرَّوِيِّ، بل كان يكتفي باللفظ الفصيح والمفردات السليمة من كل شائق في العربية ورائق؛ ومعنى ذلك أنه يحتفظ بشخصيته إزاء القدماء بأكثر مما يحتفظ شوقي، هو يأخذ منهم المادة، ولكنه يدخلها إلى مخيلته ليحملها أفكاره ومعانيه. ومن ثم لا يبدو التقليد واضحًا عنده؛ بل لقد اندفع إلى التجديد حتى في الصياغة والأسلوب، فلم يعد همه التمسك بأهداب القدماء لا في معانيهم ولا في تشبيهاتهم واستعاراتهم؛ بل همه التعبير عما في نفسه تعبيرًا حرًّا مستقيمًا لا تحجبه تراكيب قديمة ولا أصداف خيال قديمة.

ومع ذلك تقرأ فيه فتشعر شعورًا واضحًا بأن صورة الشعر العربي لم تتغير؛ لأنه يحتفظ بالأصول المسبوقة مع التحرر منها، فهو يتابع في الظاهر والخارج، أما في الباطن والداخل فإنه يجدد ويخالف ويعبر عما في نفسه تعبيرًا كاملًا، يصور فيه معانيه العقلية والنفسية، وشرح ذلك أجمل شرح في مقدمته لديوانه؛ إذ يقول:

<<  <   >  >>