طُبعت عنده كما طبعت عند أصحاب المنزع الرومانسي بالحزن والتشاؤم، فهي تذيع أنات الشاعر ويأسه القاتل، حتى ليقول في قصيدة بعنوان "شكوى الزمان":
لقد لفظتني رحمة الله يافعًا ... فصرت كأني في الثمانين من عمري
وفي آخر الديوان قصيدة طويلة من الشعر المرسل الذي يتحرر فيه الشاعر من القافية على نمط ما هو معروف عن شكسبير وغيره من شعراء الغرب، وفيها يصور أحزانه ومطامحه إلى حياة أكمل من هذه الحياة.
ويُرْسَل شكري في بعثة إلى إنجلترا، فتتسع معرفته بالأدب الإنجليزي، ولا يقف بقراءاته عند هذا الأدب؛ بل يأخذ نفسه منذ هذا التاريخ بقراءة آداب الأمم الغربية المختلفة من فرنسية وألمانية وغير فرنسية وألمانية.
ويعود إلى مصر، فتشتد الصلة بينه وبين شاعرين من طرازه وذوقه في فهم الشعر وما ينبغي أن يكون عليه في ضوء الأدب الإنجليزي وغيره من الآداب الغربية؛ وهما: إبراهيم عبد القادر المازني وعباس محمود العقاد، ويؤلفون معًا هذا الجيل الجديد الذي ثار على شعرنا القديم كما ثار على شعر شوقي وغيره ممن كانوا يضطربون بين التقليد والتجديد.
ويأخذ شكري في إخراج دواوينه واحدًا تلو الآخر، وتارة يقدم لما يخرج من دواوين، وتارة يقدم له العقاد مما وصفناه في غير هذا الموضع. وألف قصة سماها قصة الحلاق المجنون، وفيها ما يدل على تأثره بالآداب الروسية حينئذ، كما ألف "الاعترافات" وفيها تأثر واضح بما قرأه في الآداب الفرنسية من اعترافات "جان جاك روسو" و"شاتوبريان" وإن لم يجعلها على لسانه فقد نسبها إلى شخص رمز إليه بالحرفين م. ن. وهي اعترافات رائعة؛ إذ كلها تحليلات وتأملات، وقد وصف فيها الشباب المصري بأنه "عظيم الأمل؛ ولكنه عظيم اليأس، وكل منهما في نفسه عميق مثل الأبد".
وشكري بمثل هذا الاعتراف يضع في يدنا مفتاح هذا التشاؤم وهذا الضيق