وحاصل هذا القول أنه يرى التفرقة بين اللفظين فيحكم على أنَّ بالانقطاع وعلى عَنْ بالاتصال، وهذا القول للحافظ أبي بكر البرديجي (١) حكاه ابن عبد البر، وقال: وعندي أنه لا معنى له لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أن، أو عن، أو سمعت فكله عند العلماء سواء انتهى، ورد عليه بأن للصحابي مزية حيث يعمل بمرسله بخلاف غيره على أن البرديجي لم ينفرد بذلك بل قال أبو الحسن الحصار نحوه، وقال الذهبي بعد قول البرديجي: إنه قوي، وما تقدم من اشتراط اللقاء هو الذي عليه المحققون، وخالف في ذلك مسلم رحمه الله كما أشار إليه بقوله:
(و) الإمام الحافظ الحجة أبو الحسين (مسلم) بن الحجاج القشيري صاحب الصَّحِيح، فقوله مسلم مبتدأ خبره (يشرط) من باب ضرب وقتل، سكن طاءه فأدغم في التاء بعده، وهو جائز في سعة الكلام، ويتعين هنا للوزن (تعاصراً) مفعول يشرط (فقط) أي فحسب.
والمعنى أن مسلماً رحمه الله تعالى اكتفى في الحكم على الحديث المعنعن بالاتصال بالمعاصرة أي كون المعنعن بالكسر والمعنعن عنه بالفتح في عصر واحد وإن لم يعلم اجتماعهما في خبر قط تحسيناً للظن بالثقة، وقد أطال الرد والتهجين على من شرط اللقاء في مقدمة صحيحه، إلا أن المحققين كما قال النووي أنكروا عليه ذلك، وقالوا: إنه ضعيف والذي رده هو الصَّحِيح المختار الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما.
(١) بفتح الباء نسبة لبرديج بكسر الباء وقيل بفتحها: بلد بأذربيجان، اهـ ق وتاج.