ومنه: ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال:" كنت أكتب كل شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وذكر الحديث، وفيه: أنه ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له:" اكتب " وفي لفظه: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا؟ فقال:" نعم، فإني لا أقول إلا حقاً " وكانت تسمى صحيفتة تلك الصادقةَ، رواه ابن سعد وغيره، كما ذكره الصنعاني وغير ذلك من الدلائل الواضحة الكثيرة.
ولما كان بين حديث مسلم والأحاديث الدالة على الإباحة تعارض احتاج العلماء إلى التوفيق بينهما، فاختلفوا فيه، كما أشار إلى ذلك بقوله (فالخلف) بالضم، أي الاختلاف بين العلماء في هذا الحديث لمعارضته الأحاديثَ الدالةَ على الجواز كالأحاديث المذكورة، فالخلف مبتدأ خبره جملة قوله (نمى) بالبناء للمفعول، أي نسب إليهم. يعني أنهم اختلفوا في التوفيق:(فبعضهم) أي بعض المختلفين (أعلَّه) أي حديثَ مسلم الدال على المنع (بالوقف) أي بأنه موقوف على أبي سعيد، يعني: أن بعض العلماء حكموا بأن لحديث أبي سعيد علةً، وهي كونه موقوفاً على أبي سعيد، وبه جزم البخاري وغيره.
(وآخرون) من المختلفين أيضاً (عللوا بالخوف) أي جعلوا علة النهي عن الكتابة في حديث أبىِ سعيد الخوفَ (من اختلاط بالقران) بتخفيف الهمزة بنقل حركتها إلى ما قبلها، وهو جائز في النثر وبه قرئ في السبعة، يعني أنهم جعلوا علة النهي لأجل خوف اختلاط الحديث بالقرآن، وهذا يدل على أن النهي كان في حين نزول القرآن، فلما انقطع نزوله نسخ.