للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أن العلماء اختلفوا في جواز رواية الحديث بالمعنى على أقوال: الأول ما ذكره بقوله:

(فالأكثرون) من السلف، وأصحاب الحديث، وأرباب الفقه، والأصول، وهو مبتدأ خبره جملة (جوزوا) ذلك (للعارف) أي للشخص العارف بمدلولات الألفاظ، ومقاصدها، وما يحيل المعنى، والمحتمل من غيره، والمرادف منها، ولو كان غير صحابي سواء كان ذلك في المرفوع، أو في غيره، إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة، والسلف، ويدل عليه روايتهم القصةَ الواحدةَ بألفاظ مختلفة، واستدل لذلك الشافعي بحديث: " أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه " قال: وإذا كان الله برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف علمنا منه بأن الكتاب قد نزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ما لم يكن اختلافهم إحالة معنى فكان ما سوى كتاب الله سبحانه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه.

ويدل على ذلك أيضاً كما قال الخطيب: اتفاق الأمة على أن للعالم بمعنى خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وللسامع بقوله أن ينقل معنى خبره بغير لفظه، وغير اللغة العربية، وأن الواجب على رسله، وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين فإنه لا يجوز أن يَكِلَ ما يرويه إلى ترجمان وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان، لأنه لا يأمن الغلط، وقصد التحريف على الترجمان فيجب أن يرويه بنفسه، وإذا ثبت ذلك صح أن القصد برواية خبره، وأمره، ونهيه إصابةُ معناه، وامتثال موجبه دون إيراد نفس لفظه، وصورته.

وعلى هذا الوجه لزم العجم وغيرهم من سائر الأمم دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى دينه، والعلم بأحكامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>