للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك مما يدوم ويستمر نفعه، ولما للصدقة الجارية من عظيم الأجر والثواب فقد بادر الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من المسلمين على مر العصور بفعل الصدقات الجاريات من أنفس أموالهم وأفضل ما لديهم من الممتلكات، راجين ثواب ذلك عند الله تعالى، والمال النافع الحقيقي للإنسان هو ما قدمه في حياته وانفقه في وجوه الخير والبر والإحسان سواء كان صدقة جارية أو غيرها؛ ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: «فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر» (١)، فقوله: «ما قدم» أي ما صرفه في حياته في مصارف الخير والطاعة، هذا هو ماله الحقيقي الذي ينتفع به، وقوله: «ما أخر» ما ادخره وأخر إنفاقه حتى ادركه الموت وتركه لوارثه، ولا يدري الإنسان كيف سيكون حال ورثته من بعده أصالحين أم طالحين، و بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك ما يكون للإنسان من ماله الذي جمعه وحافظ عليه طوال عمره، وربما أصابه ما أصابه من العناء والشقاء والكد والكَبَد حتى حصل عليه وجمعه، ثم بعد ذلك نمَّاه وكثَّره، ومع هذا كله تأمل في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «يقول العبد: مالي، مالي، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى (٢)، وما سواه فهو ذاهب وتاركه للناس» (٣)،


(١) أخرجه البخاري (٨/ ٩٣) رقم (٦٤٤٢).
(٢) فاقتنى: ادخر لآخرته أي ادخر ثوابه. [شرح محمد فؤاد عبد الباقي]
(٣) أخرجه مسلم عن أبي هريرة (٤/ ٢٢٧٣) رقم (٢٩٥٩)، ابن حبان - مخرجا (٨/ ١٢١) رقم (٣٣٢٨).

<<  <   >  >>