حس وعقل أن ما لزم الكل لزم البعض فالشرائع كلها لا يمكن البتة ولا يجوز أن توجد قياسا من أحد فبعضها لا يجوز أن يوجد قياسا وليس هذا قياسا ولكنه برهان ضروري كقول القائل إن كان الناس كلهم أحياء ناطقين فكل واحد منهم حي ناطق ولا يموه مموه فيقول بعض الناس أعور وليس كلهم أعور فليس هذا مما ألزمناهم في صفة لكن كل الناس ممكن أن يوجدوا عورا وليس ذلك بممتنع في البقية
وأما أخذ الشرائع كلها قياسا فممتنع في البتة إذ لا بد عندهم من نص يقاس عليه ولا هذا أيضا من قول القائل لا يجوز أن يكذب الناس كلهم وجائز أن يكذب بعضهم بل كل أحد على حدته فالكذب عليه ممكن وليس كل شريعة على حدتها جائز أن توجد قياسا وهذا بيان يوضح كل ما أرادوا أن يموهوا به في هذا المكان وبرهان آخر وهو أنه يقال لأصحاب القياس إذا قلتم لما حرم الله تعالى القطع في أقل من ثلاثة دراهم أو عشرة دراهم حرم أن يكون الصداق أقل من ثلاثة دراهم ولما وجبت الكفارة على الوطء عمدا في نهار رمضان وجبت على الأكل عمدا في نهار رمضان ولما حرم حلق الشعر في الرأس بغير ضرورة في الإحرام حرم حلق العانة في الإحرام كما حرم مد بر بمدي بر نقدا حرم مد شعير بمد سلت نقدا وقال آخرون منكم لا ولكن حرم رطل حديد برطل حديد نقدا وقال آخرون لا ولكن حرم أصل كرنب بأصل كرنب نقدا ولما أبيح اتخاذ كلب الصيد والغنم بعد تحريمه أبيح ثمنه بعد تحريمه ولما أبيح الثلث في الوصية للموصي أبيح بيع الثمر قبل صلاحه إذا كان أقل من ثلث كرام الدار وسائر ما أوجبتموه قياسا وحرمتموه قياسا وأبحتموه من هذا الموجب لهذا كله ومن هو المحرم