اللغات الباقية لا نعلمها بعينها وهذا هو الذي توجبه الضرورة ولا بد مما لا يمكن سواه أصلا وقد يمكن أن يكون الله تعالى وقف آدم عليه السلام على جميع اللغات التي ينطق بها الناس كلهم الآن ولعلها كانت حينئذ لغة واحدة مترادفة الأسماء على المسميات ثم صارت لغات كثيرة إذ توزعها بنوه بعد ذلك وهذا هو الأظهر عندنا والأقرب إلا أننا لا نقطع على هذا كما نقطع على أنه لا بد من لغة واحدة وقف الله تعالى عليها ولكن هذا هو الأغلب عندنا نعني أن الله تعالى وقف على جميع هذه اللغات المنطوق بها وإنما ظننا هذا لأننا لا ندري أي سبب دعا الناس ولهم لغة يتكلمون بها ويتفاهمون بها إلى إحداث لغة أخرى وعظيم التعب في ذلك لغير معنى ومثل هذا من الفضول لا يتفرع له عاقل بوجه من الوجوه فإن وجد ذلك فمن فارع فضولي سيىء الاختيار مشتغل بما لا فائدة فيه عما يعينه وعما هو آكد عليه من أمور معاده ومصالح دنياه ولذاته وسائر العلوم النافعة ثم من له بطاعة أهل بلده له في ترك لغتهم والكلام باللغة التي عمل لهم ولكنا لسنا نجعل ذلك محالا ممتنعا بل نقول إنه ممكن بعيد جدا فإن قالوا لعل ملكا كانت في مملكته لغات شتى فجمع لهم لغة يتفاهمون بها كلهم قلنا لهم هذا ضد وضع اللغات الكثيرة بل هو جمع اللغات على لغة واحدة ثم نقول وما الذي كان يدعو هذا الملك إلى هذه الكلفة الباردة الصعبة الثقيلة التي لا تفيد شيئا وكان أسهل له أن يجمعهم على لغة ما من تلك اللغات التي كانوا يتكلمون بها أو على لغته نفسه فكان أخف وأمكن من إحداث لغة مستأنفة وعلم ذلك عند الله عز وجل وقد توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات
وهذا لا معنى له لأن وجوه الفضل معروفة وإنما هي بعمل أو اختصاص ولا عمل للغة ولا جاء نص في تفضيل لغة على لغة وقد قال تعالى {ومآ أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين