صنّف الزمخشري كتاب «ربيع الأبرار» بعد أن صنّف كتابه «الكشاف عن حقائق التنزيل» الذي فرغ منه بمكة المكرمة سنة ٥٢٨ هـ. قال الزمخشري في مقدمة كتاب ربيع الأبرار:
«هذا كتاب قصدت به إجمام خواطر الناظرين في الكشاف عن حقائق التنزيل، وترويح قلوبهم المتعبة بإجالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه، والتنفيس عن أذهانهم المكدودة باستيضاح غوامضه وخفاياه، وأن تكون مطالعته ترفيهاً لمن ملّ، والنظر فيه إحماضاً لمن اختلّ، فأخرجته لهم روضةً مزهرة، وحديقةً مثمرة، متبّرجةً بزخارفها، ميّاسةً برفارفها، تمتّع برايع زهرها، وتلهي بيانع ثمرها، وتقرّ العيون بآنف مرآها، وتفعم الأنوف بعبق ريّاها، وتلذّ الأفواه بطيب جناها، وتستنصت الآذان إلى خرير مائها الفياض، وتطبى النفوس إلى برد ظلّها الفضفاض، وتميل الأعطاف بغصونها الأماليد، وطيورها المستملحة الأغاريد، نزهة المستأنس، ونهزة المقتبس، من خلا به استغنى عن كل جليس، ومن أنس به سلا عن كل أنيس. أين من طيب ندامه نديماً مالك وعقيل، وأين من دلّ غزله كثيرّ عزّة وجميل؛ إن أردت السمر فيا له من سمير، وإن طلبت الخبر فقد سقطت على خبير، وإن بغيت العظات المبكية ففيه ما يشرق بالدمع أجفانك، أو الملح المضحكة ففيه ما يفرّ بضاحكة أسنانك» .
والكتاب مرتب على ثمان وتسعين بابا، في موضوعات مختلفة كان الزمخشري يجمع ما يتصل بكل موضوع من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم ما ورد عنه في أقوال الصحابة ويتبعه بأقوال التابعين والعباد والزهاد والنساك، والحكماء من العرب والفرس، والشعراء إن وجد شعرا بمعناه، وأقوال أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، وكان يسرد قصصا مسلّية وأخبارا متّصلة بتاريخ العرب وملوكهم وخلفائهم وأمرائهم وقوادهم ومغنّيهم وشعرائهم تجمل بالمتأدبين معرفتها والإطلاع عليها إذ كانت منتخلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها ومأخوذة من مظانّها، ومنقولة عن أهل الخبرة بها. وباختصار فإن