نظام الملك حمايته ورعايته للعلماء والأدباء وأهل الفضل- في قرية زمخشر ضمن عائلة فقيرة تقية ورعة نالت قسطاً من العلم والأدب على ما يظهر لنا من أبيات الزمخشري الآتية التي يرثي بها أباه:
فقدته فاضلًا فاضت مآثره ... العلم والأدب المأثور والورع
لم يأل ما عاش جداً في تقاه يرى ... إنّ الحريص على دنياه منخدع
صام النهار وقام الليل وهو شج ... من خشية الله كابي اللون ممتقع
من المروءة في علياء متّسع ... صدراً وإن لم يكن في المال متّسع
وفي وفيات الأعيان، أن إحدى رجليّ الزمخشري كانت ساقطة بسبب قساوة الثلج وشدّة البرد، وفي أنباه الرواة أنه لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن سبب قطع رجله فقال:«دعاء الوالدة، وذلك إني في صباي أمسكت عصفوراً وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدتي لذلك وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سن الطلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي وعملت عليّ عملًا أوجب قطعها» .
وعلى الإجمال فأسرة الزمخشري كانت أسرة متدينة ملتزمة بآداب الشرع وتعاليمه وهو ما أشاد به هو نفسه في الأبيات التالية:
هات التي شبهت ظلماً بشمس ضحى ... لو عارضتها لغطّتها بإشراق
استغفر الله أني قد نسبت بها ... ولم أكن لحميّاها بذوّاق
ولم يذقها أبي قبلًا ولا أحداً ... من أسرتي واتفاق الناس مصداقي
[مراحل حياته:]
إذا كانت كتب التاريخ الأدبي قد أهملت أخبار الزمخشري ببعض مراحل حياته، فهو نفسه قد سدّ هذا النقص وسجّل بشعره أحداث حياته ومنها نعرف أنه نشأ فقيراً في قريته زمخشر ثم انتقل إلى بخارى أو خوارزم لطلب العلم عندما بلغ سنّ الطلب فأخذ علوم عصره من منابعها الوافرة