للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

موسى -عليه السلام- لم يعط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة. فأما بقية التوراة، فدفعها إلى أولاد هارون، وجعلها فيهم، وصانها عن سواهم١.

وهؤلاء الأئمة الهارنيون الذين كانوا يعرفون التوراة، ويحفظون أكثرها قتلهم بختنصر على دم واحد يوم فتح بيت المقدس. ولم يكن


١ وهكذا صان موسى -عليه السلام- التوراة عن سائر بني إسرائيل، ولم يبثها فيهم خوفا من اختلافهم بعده في تأويلها أو نحو ذلك مما يؤدي إلى انقسامهم.
والهارونيون وحدهم هم الذين كانوا يعرفون التوراة. وهذا مصداق قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة: ٤٤].
قال الزمخشري في الكشاف ١/ ٦١٥ في قوله تعالى: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} بما سألتهم أنبياؤهم حفظه من التوراة؛ أي: بسبب سؤال أنبيائهم إياه أن يحفظون من التغيير والتبديل. {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} أي: رقباء لئلا يبدل. اهـ. وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/ ١٦٨ - ١٦٩.
فالكتب السماوية السابقة أوكل حفظها إلى العلماء؛ ولذلك ضاعت بعد جيل أو جيلين -كما سنرى في الحاشية التالية- أما القرآن الكريم فلكونه آخر الكتب، وقد نزل على خاتم الأنبياء تكفل الله بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وقد عُني المسلمون الأولون والآخرون رجالا ونساء كبارا وصغارا بحفظه وتلاوته وسلامته عناية فائقة ملكت عليهم كل مشاعرهم وأحاسيسهم. فكانت هذه العناية مصداق الآية الكريمة.

<<  <   >  >>