فإن قالوا: إنه يوجد في التوراة عدة كلمات مما يكون حساب حروفه مساويا لعدد حساب حروف اسم زيد وعمرو وخالد. فلا يلزم من ذلك أن يكون زيد وعمرو وخالد أنبياء.
فالجواب: إن الأمر كما يقولون لو كان لهذه الآية أسوة بغيرها من كلمات التوراة. لكنا نقيم البراهين والأدلة على أنه لا أسوة لهذه الكلمة بغيرها في سائر التوراة. وذلك أنه ليس في التوراة من الآيات ما حاز به إسماعيل الشرف كهذه الآية؛ لأنها وعد من الله تعالى لإبراهيم بما يكون من شرف إسماعيل. وليس في التوراة آية أخرى مشتملة على شرف لقبيلة زيد وعمرو وخالد وبكر، كما أنه ليس في الآية كلمة تساوي "بمادماد" التي معناها "جدا جدا". وذلك أنها كلمة المبالغة من الله سبحانه وتعالى. فلا أسوة لها من كلمات الآية المذكورة. وإذا كانت هذه الآية أعظم الآيات مبالغة في حق إسماعيل وأولاده. وكانت تلك الكلمة أعظم مبالغة من باقي كلمات تلك الآية، فلا عجب أن تتضمن الإشارة إلى أجل أولاد إسماعيل شرفا، وأعظمهم قدرا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذ قد بينا أنه ليس لهذه الكلمة أسوة بغيرها من كلمات هذه
= معناها، فهي بشارة بمن عظم من بنيه كثيرا كثيرا. ومعلوم أنه لم يعظم من بنيه أكثر مما عظم محمد -صلى الله عليه وسلم- وطائفة أخرى تقول: بل هو صريح اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- ويدل عليه أن الألفاظ العبرانية قريبة من الألفاظ العربية. فإذا أخذت لفظة "مؤذ مؤذ" وجدتها أقرب شيء للفظة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويدل على ذلك الباء؛ إذ لا يقال: أعظمه جدا جدا، بخلاف أعظمه بمحمد. وكذلك كان، فإن إسماعيل -عليه السلام- قد عظم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وازداد شرفا وتعظيما. ثم نقل عن ابن قتيبة قوله: وقد قال لي ولغيري بعض من أسلم من علمائهم: إن "مئذ مئذ" هو محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو بكسر الميم والهمزة، بعضهم يفتح الميم ويدنيها من الضمة. اهـ.