للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من بعدهم، أوحد خراسان في عصره أدبا وفضلا ونسبا وأصلا، حسن الخلق، صبيح الوجه، مليح الشمائل، محب للخير وأهله، كثير القراءة، دائم العبادة، سخيّ النفس، عالي الهمّة والمروّة، دائم الصدقة والصلة، مدرّس في اللغة، مصنّف للكتب النفيسة. وقد ذكر الحاكم أسلافه الكبار في التاريخ.

سمع الحديث الكثير بخراسان عن الحاكم أبي أحمد الحافظ، وأبي عمرو ابن حمدان، وببخارى من أبي بكر محمد بن حم بن ناقب (١) البخاري، وبمكة من أبي الحسن [أحمد بن عبد الله بن حميد] بن رزيق، وسمع من أبي علي حمد بن عبد الله الرازي، وأبي عبد الله الجرجاني، وأبي الحسين ابن فارس، وأبي نعيم الاسفرايني وطبقتهم.

وعقد له مجلس الاملاء فأملى في رجب سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، وحضر مجلسه الأئمة والقضاة والكبار والسادة، ودام ذلك مستمرا إلى أن توفي يوم الثلاثاء وهو عيد الأضحى سنة ست وثلاثين وأربع مئة.

وانتشرت كتبه وديوان شعره في الآفاق واستفاد الناس منه، وبه ختم الفضل والكمال في آل ميكال، ومدحوه الشعراء في حياته، ورثوه بعد مماته، والفضل الباقي بعده من آثاره وأنفاسه تاريخ برأسه.

فممّا قرأت من الاشعار فيه للأديب يعقوب بن أحمد النيسابوري وكان من المختصين به [ظ] قوله [٤٥ أ]:

رأيت عبيد الله يضحك معطيا … ويبكي أخوه الغيث عند عطائه

وكم بين ضحّاك يجود بماله … وآخر بكّاء يجود بمائه

وقرأت في كتاب دمية القصر فصلا ذكره الباخرزي فيه فقال: لو قيل لي: من أمير الفضل؟ لقلت: الأمير أبو الفضل، وقد صحبته بعد ما أناف على الثمانين، وفارقته وهواي مع الركب اليمانين، ونادمته فلم أقرع على منادمته سنّ الندم، وقدمت عليه فغمرني إنعامه من القرن إلى القدم، وجالسته فأحمدته في كلّ أمر، وكأنّي كنت جليس القعقاع بن عمرو، وأمّا أدبه فقد كان على ذبول عوده غضّا، يكاد يغض من أنهار الربيع غضّا، وأمّا شعره فقد أعلن أهل الصنعة شعار الانتماء إليه، ورفرفت الشعراء بأجنحة الاستفادة عليه، وأمّا رسائله فرسل يدرّ، وسلك لا يحويه الدرّ، ومن


(١). كان في الأصل من المنتخب والمختصر (يافث) دون نقطة للحرف الأول وصوبّناه حسب ترجمته في السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>