المناسبة بين البابين ظاهرة، لأن الأول أمانة تركت للحفظ والانتفاع، كما أن في العارية فائدة للمستعير. وسميت العارية عارية لتعريها عن العوض.
اعلم أن العارية نوعان: حقيقية ومجازية.
فالحقيقية: إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، كالثوب والدواء والعبد والدابة
والمجازية: إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك، كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون والمعدود والمتقارب فيكون إعارة صورة قرضاً معنىً.
وفي الصحاح: العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وعيب، والعارة مثل العارية. وفي المغرب: والعارية فعلية منسوبة إلى العارة اسم من الإعارة.
وفي الهداية: هي من العرية وهي العطية. وفي الكافي: من التعاور وهو التناوب فكأنه يجعل للغير نوبة في الانتفاع بملكه إلى أن يعود إليه كذا في الدرر.
وفي المبسوط: على أن تعود النوبة بالاستيراد متى شاء.
وفي النهاية: وأما محاسن العارية فهي النيابة عن الله تعالى، فإن المعير نائب عن الله تعالى بإذنه في إجابة المضطر، وكذلك من تحققت حاجته وقصرت قدرته لصغر يده عن تملك العين ببدل وهو الشرى، وعن تملك المنفعة بعوض بالاستيجار وهو يحتاج إلى الانتفاع وكل من أجاب مضطرا في إزالة اضطراره كان نائبا عن الله تعالى، وكفى به شرفا أن يكون العبد نائبا عن الله تعالى. فشرف الخليفة والقاضي على سائر الناس لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"السلطان ظل الله في الأرض" ١ الحديث.
من حيث إن الناس ينعمون في حمايته ويستروحون برعايته، فكذلك المستعير ينتفع بالمستعار. والعارية لا تكون إلا عند محتاج كالقرض ولذلك زيد ثواب القرض على ثواب
١ رواه ابن النجار عن أبي هريرة. ورواه البيهقي والحاكم عن ابن عمر مرفوعاً. انظر كشف الخفا ١/٤٥٦.