للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمناظرة، لا بالحساب"""١".

وقال أيضاً:

"فكن أحد رجلين: إما مشغولاً بنفسك، وإما متفرغاً لغيرك بعد الفراغ من نفسك. وإياك أن تشتغل بما يُصْلِح غيرَك قبل إصلاح نفسك"٢"، واشتغلْ بإصلاح باطنك وتطهيره من الصفات الذميمة: كالحرص، والحسد، والرياء، والعُجْب، قبل إصلاح ظاهرك ... ، فإنْ لم تفرغ من ذلك فلا تشتغل بفروض الكفايات؛ فإن في الخلق كثيراً يقومون بذلك، فإنّ مُهْلِكَ نفسه في طلب إصلاح غيره سفيهٌ، ومَثَلُه مثل من دخلت العقاربُ تحت ثيابه، وهو يَذُبُّ الذباب عن غيره.

فإن تفرغتَ من نفسك وتطهيرها -وما أبعد ذلك- فاشتغل بفروض الكفايات، وراعِ التدريج في ذلك.

فابتدئ بكتاب الله عزّ وجلّ، ثم بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بعلوم القرآن: من التفسير، ومن ناسخ ومنسوخ، ومحكَمٍ ومتشابه، إلى غير ذلك.

وكذلك في السنّة، ثم اشتغل بالفروع، وأصول الفقه، وهكذا بقية العلوم، على ما يتسع له العمر، ويساعِد فيه الوقت.

ولا تستغرق عُمُرَك في فَنٍّ واحدٍ منها؛ طلباً للاستقصاء؛ فإن العلم كثير،


(١) "مختصر منهاج القاصدين"، أحمد بن محمد المقدسيّ، ص٢٠. ولا يَخفى أنّ كلام الإمام المقدسيّ-رحمه الله-إنما هو عن تريبب الاشتغال بهذه العلوم، لا عن مبدأِ الاشتغال بها من حيث هو، وقد كان هو من الأئمة الذين اشتغلوا بهذا الواجب على أكمل وجهٍ.
(٢) هذا ليس على إطلاقه، كما سيأتي بعد قليل.

<<  <   >  >>